وَسَوَاءٌ كَانَ قَدِ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ عَقْدِ طَلَاقِهِ أَمْ لَا، لِأَنَّ هَذَا اسْتِبْرَاءُ طَلَاقٍ فِي الظَّاهِرِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَدَّ بِهِ قَبْلَ زَمَانِ وُقُوعِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَقْرَاءِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَبْرِئَةً أَوْ غَيْرَ مُسْتَبْرِئَةٍ. فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَبْرِئَةٍ بَانَتْ بِالظَّاهِرِ، وَهَلْ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ أَكْثَرِ الْحَمْلِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أِنَّهَا قَدْ حَلَّتْ فِي الظَّاهِرِ لِلْأَزْوَاجِ وَإِنْ جَازَ فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ، كَمَا تَحِلُّ الَّتِي نَجُزَ طَلَاقُهَا إِذَا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَزْوَاجِ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةُ أَكْثَرِ الْحَمْلِ وَهِيَ أَرْبَعُ سِنِينَ فَتَبَيَّنَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِيَقِينِ، كَوْنِهَا حَائِلًا وَقْتَ عَقْدِ طَلَاقِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الَّتِي نَجُزَ طَلَاقُهَا فَأَمْكَنَ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَزْوَاجِ بِهَذَا التَّوَهُّمِ الْمُمْكِنِ، وَتَحْرُمُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِهَذَا التَّوَهُّمِ الْمُمْكِنِ، أَنَّ التَّوَهُّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُوقِعُ شَكًّا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَجَازَ أَنْ تَحْرُمَ عَلَى الْأَزْوَاجِ، وَالتَّوَهُّمُ فِي الطَّلَاقِ النَّاجِزِ لَا يُوقِعُ شَكًّا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يُوقِعُهُ فِي الْعِدَّةِ مَعَ انْقِضَائِهَا بِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي الظَّاهِرِ، فَجَازَ أَنْ لَا تَحْرُمَ عَلَى الْأَزْوَاجِ.
(فَصْلٌ:)
وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مُسْتَبْرِئَةً بِأَنْ ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَاتُ الْحَمْلِ وَشَوَاهِدُهُ، فَفِي اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا بِهَذِهِ الْأَمَارَاتِ وَجْهَانِ يَخْرُجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ، فِي نَفَقَةِ الْحَامِلِ الْمُعْتَدَّةِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْتَبِيحُ وطئها بِأَمَارَاتِ الْحَمْلِ اعْتِبَارًا بِالظَّاهِرِ وَتَغْلِيبًا لِحُكْمِهِ.
وَالْوَجْهُ الثاني: أنه لا يستبيح وطئها وَهُوَ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غِلَظًا وَرِيحًا وَلَا يَكُونُ حَمْلًا صَحِيحًا.
وَالْوَطْءُ الْمَحْظُورُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَبَاحَ بِالشَّكِّ، فَعَلَى هَذَا لَهَا حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ لَا تَضَعَ حَمْلًا، فَالطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، وَالْعِدَّةُ قَدِ انْقَضَتْ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَعْدِ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا فَهُوَ وَطْءُ شُبْهَةٍ، تَعْتَدُّ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ لَا يَمْلِكُ فِيهَا رَجْعَةً.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَضَعَ وَلَدًا فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَما: أَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِ الطَّلَاقِ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ لِعِلْمِنَا بِكَوْنِهَا حَامِلًا عِنْدَ عَقْدِهِ، لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ أقل من سنة. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَضَعَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَدِيمَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَيَتَعَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّهَا