أَحَدُهَا: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمُ الْمُرْتَدِّينَ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّمْكِينُ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمُهُمْ.
وَالثَّالِثُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمُهُمْ، وَلَا التَّمْكِينُ مِنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمُهُمْ وَلَا التَّمْكِينُ مِنْهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَغْرَمُوا مُهُورَ مَنِ ارْتَدَّ مِنْ نِسَائِنَا وَقِيمَةَ مَنِ ارْتَدَّ مِنْ عَبِيدِنَا وَإِمَائِنَا، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ عَمَّنِ ارْتَدَّ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ غُرْمٌ كَمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْرَارِهِمْ غُرْمٌ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْحُرِّ لَا تُضْمَنُ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ، فَلَوْ عَادَ الْمُرْتَدُّونَ إِلَيْنَا لَمْ نَرُدَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَا أَخَذْنَاهُ مِنْ مُهُورِ النِّسَاءِ، وَرَدَدْنَا مَا أَخَذْنَاهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا لَهُمْ بِدَفْعِ القيمة ملكا، فلم يصر لنسائهم لدفع الْمُهُورِ أَزْوَاجًا.
وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِمُ التَّمْكِينُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمُهُمْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ غُرْمُ مَهْرٍ، وَلَا قِيمَةُ مَمْلُوكٍ، لِأَنَّنَا إِنْ وَصَلْنَا إِلَيْهِمْ بِالتَّمْكِينِ، فَقَدْ وَصَلْنَا إِلَى حَقِّنَا وَإِنْ لَمْ نَصِلْ إِلَيْهِمْ مَعَ التَّمْكِينِ فَلِعَجْزِنَا.
وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمُهُمْ أُخِذُوا بِهِ جَبْرًا إِذَا كَانَ تَسْلِيمُهُمْ مُمْكِنًا، وَلَا غُرْمَ إِذَا سَلَّمُوهُمْ. فَإِنْ فَاتَ تَسْلِيمُهُمْ بِالْمَوْتِ أُغْرِمُوا مُهُورَ النِّسَاءِ، وَقِيمَةَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُمْ بِالْهَرَبِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهِمْ لَمْ يَغْرَمُوا مَهْرًا، وَلَا قِيمَةً، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهِمْ غَرِمُوا مُهُورَ النِّسَاءِ وَقِيَمَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَوَجَبَ لنا عليهم مهور من ارتد من نساءنا، وَقِيَمُ مَنِ ارْتَدَّ مِنْ عَبِيدِنَا وَإِمَائِنَا، وَوَجَبَ لَهُمْ عَلَيْنَا مُهُورُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَقِيَمُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمْ جَعَلْنَاهُ قِصَاصًا قَوْلًا وَاحِدًا، لِمَا فِي الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ مِنَ الْخَطَرِ الشَّاقِّ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقَدْرِ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّتَانِ، وَإِنْ فَضَلَ لَنَا رَجَعَتْ بِالْفَضْلِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ فَضَلَ لَهُمْ دَفَعْنَا الْفَضْلَ إِلَيْهِمْ، وَدَفَعَ الْإِمَامُ مَا قَاصَصَهُمْ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَدْفَعُوا مَا قُصِّصُوا بِهِ، إِلَى مُسْتَحِقِّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ إِلَّا الْخَلِيفَةُ أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَ الْهُدْنَةِ الْعَامَّةِ إِلَّا مَنْ إِلَيْهِ النَّظَرُ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ أَوْ مَنِ اسْتَنَابَهُ بِهِ، فِيهَا الْخَلِيفَةُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَاهَدَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِي النَّضِيرِ بِنَفْسِهِ، وَهَادَنَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِنَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ الْخَلِيفَةَ، لِإِشْرَافِهِ على جميع الأمور أعرف بمصالحها من أشذاذ النَّاسِ؛ وَلِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْوِلَايَةِ أَنْفَذُ، وَهُوَ عَلَى التَّدْبِيرِ وَالْحِرَاسَةِ أَقْدَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute