الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ مَالُهُ، عَلَى حَسَبِ مَغَازِيهِمْ، في القرب، والبعد، ومن كَانَ مِنْهُمْ فَارِسًا، أَوْ رَاجِلًا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فِي بَلَدِ الْمَالِ، نُقِلَ إِلَى أَقْرَبِ البلاد فيه.
فَصْلٌ:
وَلَوْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِ ثُلُثِهِ فِي بَنِي السَّبِيلِ.
صُرِفَ فِيمَنْ أَرَادَ سَفَرًا، إِذَا كَانَ فِي بَلَدِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَازًا، أَوْ مبتدئا بالسفر.
فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ: صُرِفَ فِيهِمْ وَهُمْ أَهْلُ سُهْمَانِ الزَّكَاةِ وَقُسِّمَ بَيْنَ أصنافهم بالتسوية وَجَازَ تَفْضِيلُ أَهْلِ الصِّنْفِ، بِحَسْبِ الْحَاجَةِ، كَمَا قُلْنَا فِي الزَّكَاةِ، إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ إِذَا عُدِمَ صِنْفٌ مِنْهَا، رد على باقي الأصناف. وإذا عدم في الوصية أهل صنف لم يرد عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ وَنُقِلَ إِلَى أَهْلِ ذَلِكَ الصِّنْفِ فِي أَقْرَبِ بَلَدٍ يُوجَدُونَ فِيهِ. فَإِنْ عدموا، رجع سهمهم إِلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالزَّكَاةِ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا تَعَيَّنَتْ لِلْأَشْخَاصُ، تَعَيَّنَتْ لِلْأَصْنَافِ، والزكاة لَمَّا لَمْ تَتَعَيَّنْ لِلْأَشْخَاصِ، لَمْ تَتَعَيَّنْ لِلْأَصْنَافِ.
فَصْلٌ:
وَلَوْ قَالَ: اصْرِفُوا ثُلُثِي فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ، أَوْ فِي سَبِيلِ الْبِرِّ، أَوْ فِي سبيل الثواب.
قال الشافعي: " جزأ أَجْزَاءً، فَأُعْطِيَ ذُو قَرَابَتِهِ فُقَرَاءً كَانُوا أَوْ أغنياء، والفقراء، والمساكين، وفي الرقاب، والغارمين، والغزاة، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالْحَاجِّ، وَيَدْخُلُ الضَّيْفُ، وَالسَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ فِيهِمْ ".
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ الْمُوصِي: ضَمِنَ سَهْمَ مَنْ مَنَعَهُ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا.
فَصْلٌ:
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ إِلَى رَجُلٍ يَضَعُهُ حَيْثُ رآه.
لم يكن له أن يأخذ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا. لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِهِ لَا بِأَخْذِهِ.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يصرف إلى وارث للموصي، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا، لِأَنَّ الْوَارِثَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْوَصِيَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَلَا أَنْ يُودِعَهُ غَيْرَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " وَأَخْتَارُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْ قَرَابَةِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُغْنِيَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ وَلَيْسَ الرَّضَاعُ قَرَابَةً. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ له قرابة من جهة الأب والأم، وكان رضيعا، أَحْبَبْتُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَضِيعٌ: أَحْبَبْتُ أَنْ يُعْطِيَ جِيرَانَهُ، الْأَقْرَبَ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبَ، وَأَقْصَى الْجِوَارِ مُنْتَهَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَهُ أَفْقَرَ مَنْ يجده، وأشدهم تعففا، واستئثارا، وَلَا يُبْقِي فِي يَدِهِ شَيْئًا يُمْكِنُهُ أَنْ يخرجه من ساعته ".
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ أَوْصَى لَهُ فَقَبِلَ أَوْ رَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ لَهُ قَبُولُهُ وَرَدُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَسَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ بِأَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْعَطِيَّةُ.
وَالثَّانِي: الْوِلَايَةُ.