للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْيَدَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى الْمِلْكِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ مِلْكٍ، لِدُخُولِهَا بِغَصْبٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، فَإِذَا زَالَتْ بِيَدٍ طَارِئَةٍ، صَارَتِ الثَّابِتَةُ أَوْلَى من الزائلة لجواز انتقالها بملك طارىء مِنِ ابْتِيَاعٍ، أَوْ هِبَةٍ فَبَطَلَ بِزَوَالِهَا مَا أَوْجَبَهُ ظَاهِرُهَا.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الدَّعْوَى، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي كَانَتْ هَذِهِ الدَّارُ فِي يَدِي بِالْأَمْسِ، لَمْ تُسْمَعْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَوَجَبَ إِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُسْمَعَ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُطَابَقَةً لِلدَّعْوَى فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا نَقَلَهُ " الْبُوَيْطِيُّ " إِنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي مَسْمُوعَةٌ وَيُحْكَمُ بِهَا عَلَى الْيَدِ الطَّارِئَةِ، لِتَقَدُّمِهَا إِلَّا أَنْ يُقِيمَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ بِحَقٍّ مِنْ هِبَةٍ أَوْ بيع، لأنه الْيَدَ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ فَجَرَتْ مَجْرَاهُ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لَهُ بِالْأَمْسِ حُكِمَ لَهُ بِهَا. كَذَلِكَ إِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بِالْأَمْسِ، وَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إِلَى إِبْطَالِ مَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ، وَنَسَبُوهُ إِلَى مَذْهَبٍ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ تَدُلُّ نُصُوصُهَا عَلَى خِلَافِهِ، وَكَذَلِكَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ سَائِرُ أَصْحَابِهِ تَعْلِيلًا، بِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهَا بِالْأَمْسِ، فَيُحْكَمُ بِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بِالْأَمْسِ، وَلَا يُحْكَمُ بِهَا، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ يُوجِبُ دَوَامَهُ إِلَّا بِحُدُوثِ سَبَبٍ يُوجِبُ انْتِقَالَهُ وَثُبُوتُ الْيَدِ

لَا تُوجِبُ دَوَامَهَا، لِأَنَّها قَدْ تَكُونُ بِإِجَارَةٍ تَرْتَفِعُ بِانْقِضَاءِ مُدَّتِهَا، فَافْتَرَقَا فِي الْقَبُولِ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْمُوجِبِ.

وَإِذَا وَجَبَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ بِالْيَدِ الْمُتَقَدِّمَةِ، غَيْرَ مَسْمُوعَةٍ مَعَ مَا حَدَثَ مِنَ الْيَدِ الطَّارِئَةِ، فَإِنَّمَا لَا تُسْمَعُ إِذَا كَانَتْ مَقْصُورَةً عَلَى تَقَدُّمِ الْيَدِ فَإِنْ شَهِدَتْ مَعَ تَقَدُّمِ الْيَدِ بِالسَّبَبِ الَّذِي انْتَقَلَتْ بِهِ إِلَى الْيَدِ الطَّارِئَةِ مِنْ غَصْبٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، أَوْ عَارِيَةٍ وَجَبَ سَمَاعُهَا وَالْحُكْمُ بِهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشافعي، " إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ ".

يَعْنِي بِمَا لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ، إِمَّا بِمُبَاحٍ مِنْ وَدِيعَةٍ، أَوْ عَارِيَةٍ، أَوْ بِمَحْظُورٍ مِنْ غَصْبٍ وَتَغَلُّبٍ، لِأَنَّه قَدْ بَانَ بِالْبَيِّنَةِ، أَنَّ الْيَدَ الطَّارِئَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْمِلْكِ فَثَبَتَ بها حكم اليد المتقدمة.

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ غَصَبَهُ إِيَّاهَا وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ وَلَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ فِيمَا غَصَبَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَتَدَاعَاهَا رَجُلَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هَذِهِ الدَّارُ لِي غَصَبَنِي عَلَيْهَا صَاحِبُ الْيَدِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>