الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَتِهِمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيُّ الْعِيدَيْنِ أَوْكَدُ فِي التَّكْبِيرِ، فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: لَيْلَةُ النَّحْرِ أَوْكَدُ، لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَيْهَا، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَيْلَةُ الْفِطْرِ أَوْكَدُ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٨٥] .
(فَصْلٌ)
: فأما هذا التكبير، فقد قال الشافعي ها هنا فِي الْأُمِّ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إِلَى انْصِرَافِ الْإِمَامِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِلَى أَنْ يَفْتَتِحَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخَرِّجُ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ، لِأَنَّهُ زَمَانُ التَّأَهُّبِ لِلصَّلَاةِ.
وَالثَّانِي: إِلَى إِحْرَامِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَحْرُمُ قَبْلَ إِحْرَامِهِ، فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالتَّكْبِيرِ أَوْلَى.
وَالثَّالِثُ: إِلَى انْصِرَافِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْعِيدِ يَنْقَضِي بِفَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ أَقَاوِيلَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُكَبِّرُونَ مَا لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِالصَّلَاةِ، فَتَارَةً عَبَّرَ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ، وَتَارَةً عَبَّرَ عَنْهُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ يُوجِبُ الْإِحْرَامَ وَتَارَةً عَبَّرَ عَنْهُ بِانْصِرَافِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ انْصِرَافَهُ يَتَعَقَّبُ الْإِحْرَامَ.
(فَصْلٌ)
: التَّكْبِيرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ.
فَالْمُقَيَّدُ: مَا انْتُظِرَ بِهِ أَدْبَارُ الصَّلَوَاتِ.
وَالْمُطْلَقُ: مَا لَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ حَالٌ دُونَ حَالٍ، فَالتَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ بِالصَّلَوَاتِ مَسْنُونٌ فِي عِيدِ الْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَتَكْبِيرُ لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ، فَيُكَبِّرُ فِي الْأَحْوَالِ قَائِمًا وَقَاعِدًا أَوْ مَاشِيًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَكْبِيرَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِالزَّمَانِ، فَلَمْ يُخْتَصَّ بِهِ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ، وَتَكْبِيرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَوَاتِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لِغَيْرِهَا، فَإِنْ كَبَّرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَكْبِيرًا مُطْلَقًا جَازَ، وَإِنْ كَبَّرَ فِي لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ تَكْبِيرًا مُقَيَّدًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أحدهما: أن يكون مضيا لِلسُّنَّةِ قِيَاسًا عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ مُمْتَثِلًا لِمَا أمر به من سنة التكبير.
[(فصل: القول في رفع الصوت بالتكبير)]
وَيُخْتَارُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا يَرْفَعُ الْحَاجُّ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَيُخْتَارُ لَهُ الْإِكْثَارُ مِنَ الْقُرَبِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِمَّا مُسْنَدًا أَوْ مَوْقُوفًا، أنه قال: