أَحَدُهُمَا: اضْطِرَابُ الْحَدِيثَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ نَصٌّ مَا اجْتَهَدَ فِيهِ الصَّحَابَةُ، ولعملوا فيه على الثقل.
والثاني: تحمل الرواية بجريدتين، والنعلين عَلَى أَنَّ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَقَطَّعَتْ فَأَخَذَ الثَّانِيَةَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَهُوَ مُرْسَلٌ، لَا يَلْزَمُ وَفِيهِ نَصٌّ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ فِيهِ، فَصَارَ الْإِجْمَاعُ مَانِعًا مِنَ الْعَمَلِ بِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ أَضْعَفُ فَهُوَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ أَغْلَظُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَذْفَ مُتَعَدٍّ وَالشُّرْبَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَحَدَّ الشُّرْبِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا تَعَلَّقَ بِالْعِبَادِ أَغْلَظُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ تَعْزِيرًا ما جاز أن يساوي حَدًّا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُبْلَغُ بالتعزير إِذَا كَانَ سَبَبُهُ وَاحِدًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الأسباب مختلفة جاز؛ لأن لكل حُكْمًا وَتَعْزِيرُهُ فِي الْخَمْرِ لِأَسْبَابٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افترى.
والثاني: أن هذا تعزير، بعقد إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ فِي الْأَرْبَعِينَ، فَصَارَ مَخْصُوصًا من غَيْرِهِ.
ثُمَّ يُقَالُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَلَسْتَ تَقُولُ: إِنَّ أَكْثَرَ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَلَا يَجُوزُ إن يبلغ به الأربعين؛ لأنه لا يساوي أقل الحدود؟ فلذلك وجب أَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعُونَ حَدًّا.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ ما وصفنا، من أن الثمانين في الخمر حَدٌّ وَتَعْزِيرٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّمَانِينَ. ويجوز أن يقتصر على الأربعين. وهو بما زَادَ عَلَيْهَا إِلَى الثَّمَانِينَ مَوْقُوفٌ عَلَى اجْتِهَادِ الإمام. فإن رآه عمل به وَإِنْ لَمْ يَرَهُ كَفَّ عَنْهُ.
فَأَمَّا صِفَةُ حَدِّهِ: فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ حَدَّهُ بِالثِّيَابِ، وَالنِّعَالِ، وَأَمَرَ بِتَبْكِيتِهِ