الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ: قَدِ اسْتَعْجَلْتُمْ فِي أَمْرٍ كَانَ لَكُمْ فِيهِ أَنَاةٌ. وَجَعَلَهُ ثَلَاثًا.
فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طُلِّقَتْ وَاحِدَةً. وَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِئْنَافَ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ تُطَلَّقُ وَاحِدَةً.
وَالثَّانِي: قَالَهُ فِي (الْأُمِّ) تُطَلَّقُ ثَلَاثًا.
فَعَلِمَ عُمَرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ بِهِ التَّأْكِيدَ فَتَكُونُ وَاحِدَةً، ثُمَّ صَارُوا يُرِيدُونَ بِهِ التَّأْكِيدَ فَجَعَلَهَا ثَلَاثًا. وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ مَعَ بُعْدِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي شَيْءٍ عَمِلَهُ مِنْ دِينِهِ. وَلَوْ خَالَفَهُ لَمَا أَقَرَّتْهُ الصَّحَابَةُ عَلَى خِلَافِهِ.
أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ؛ لَا تُغَالُوا فِي صَدُقَاتِ النِّسَاءِ فَلَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَامَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يُعْطِينَا اللَّهُ وَتَمْنَعُنَا يابن الْخَطَّابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠] فَقَالَ عُمَرُ: كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّى امْرَأَةٌ لِيَفْعَلِ الرَّجُلُ بِمَالِهِ مَا شَاءَ. وَهَمَّ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ دِيَاتِ الْأَصَابِعِ حَتَّى ذُكِرَ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: في اليدين الدية وفي أحدهما نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ. فَرَجَعَ عَمَّا هَمَّ بِهِ وَسَوَّى بَيْنِ دِيَاتِهَا.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِمَا رَوَوْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمُرَاجَعَتِهَا فَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ. وَإِنَّمَا الْخَبَرُ أَنَّهُ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا فَقَالَ كُنْتَ قَدْ أَبَنْتَ امْرَأَتَكَ وَعَصَيْتَ رَبَّكَ.
وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ. فَأَمَرَهُ بِالرَّجْعَةِ فِي إِحْدَاهُنَّ بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً فِي زَمَنِ عُمَرَ. فَضَبَطَ الرُّوَاةُ طَلَاقَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ رِوَايَةُ مَنْ أَطْلَقَ مَحْمُولَةً عَلَى هَذَا البيان والله أعلم بالصواب.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رحمه الله: (ولو طلقها ظاهرا بَعْدَ جِمَاعٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ يُمْهَلَ لِيُطَلِّقَ كَمَا أُمِرَ وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ بَعْدَ جِمَاعٍ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فقد ذَكَرْنَا أَنَّ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ طَلَاقَانِ:
أَحَدُهُمَا: الطَّلَاقُ في الحيض.