للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حد فإن لم يرد الزوج، أم يُلَاعِنَ فَلَا يُقَالُ وَإِنْ أَرَادَ اللِّعَانَ لَمْ يَخْلُ حَالُ زَوْجَتِهِ الْمَجْنُونَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ وَلَدٍ أَوْ خَلِيَّةً مَنْ وَلَدٍ، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ كَانَ له أن يلاعن منها ليبقى بِاللِّعَانِ وَلَدَهَا فَإِذَا لَاعَنَ انْتَفَى عَنْهُ الْوَلَدُ ووقعت الفرقة بينهما على التأييد، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَفِي جَوَازِ اللعان فيما وجهان:

أحدهما: يلاعن لتستفيد بِلِعَانِهِ تَحْرِيمَ التَّأْبِيدِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أن يلاعن؛ لأن معقود اللِّعَانِ دَرَأُ الْحَدِّ وَنَفِيُ الْوَلَدِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اللِّعَانِ وَقَدْ عَدَمَ الْوَلَدَ وَلَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِقَذْفِهَا حَدٌّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ فَلَوْ عَادَ هَذَا الزَّوْجُ بَعْدَ نَفْيِ الْوَلَدِ بِلِعَانِهِ فَأَكْذَبَ نَفْسَهُ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ يَزَلِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ، لِأَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ حَقٌّ عَلَيْهِ وَزَوَالَ التَّحْرِيمِ حَقٌّ لَهُ ومن أقر بما عليه لزمه ومه أقر بماله لم يقبل منه، فأما تعزيره بَعْدَ رُجُوعِهِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا: لَمْ يُعَزَّرْ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُعَزَّرُ وَلَيْسَ هذا على اختلاف قولين، وَإِنَّمَا التَّعْزِيرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَعْزِيرُ قَذْفٍ.

وَالثَّانِي: تَعْزِيرُ أَذَى.

فَأَمَّا تَعْزِيرُ الْقَذْفِ: فَهُوَ في قذف من لم تكمل حَالُهُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ كَالْكُفَّارِ وَالْعَبِيدِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ فِي قَذْفِهِمْ حَدٌّ لَكِنْ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ بَدَلًا مِنَ الْحَدِّ وَيَكُونُ حقاً للمقذوف يرجع إلى خياره في استيفائه أَوِ الْعَفْوِ عَنْهُ.

وَأَمَّا تَعْزِيرُ الْأَذَى: فَهُوَ فِي قَذْفِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ فَهَذَا التَّعْزِيرُ فِيهِ لِمَكَانِ الْأَذَى يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ إِنْ رَأَى، وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْزِيرِ الْقَذْفِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ هَذَا وَإِبَاحَةُ ذَاكَ.

وَالثَّانِي: رَدُّ هَذَا إِلَى خِيَارِ الْمَقْذُوفِ، ورد ذاك إِلَى الْإِمَامِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ هَاهُنَا لَمْ يُعَزَّرْ مَحْمُولًا على تعزير الأذى والله أعلم.

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّبِيَّةَ عَبْدًا ولا غير كفؤٍ وَلَا مَجْنُونًا وَلَا مَخْبُولًا وَلَا مَجْذُومًا وَلَا أبرص ولا مجبوناً ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.

عَلَى الْأَبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْحَظَّ لَهَا فِي اخْتِيَارِ الْأَزْوَاجِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ عَبْدًا، وَلَا مُدَبَّرًا، وَلَا مُكَاتَبًا، وَلَا مَنْ فيه جزء من الرق وإن قل لنقصهم بالرق عن حال الأحرار، ولا يزوجها عبر كفء لما يحلقها مِنَ الْعَارِ وَلَا يُزَوِّجَهَا مَجْنُونًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَلَا يُزَوِّجَهَا مَخْبُولًا، وَالْمَخْبُولُ هُوَ الزَّائِلُ الْعَقْلِ كَالْمَجْنُونِ إِلَّا أن المجنون هو المجند الذي لا يؤمن عداؤه والمخبول هو

<<  <  ج: ص:  >  >>