[(باب قدر النفقة)]
[(مسألة)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " عَلَيْهِ النَّفَقَةُ نَفَقَتَانِ نَفَقَةُ الْمُوسِعِ وَنَفَقَةُ الْمُقْتِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عليه رزقه}
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: نَفَقَاتُ الزَّوْجَاتِ مُقَدَّرَةٌ تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا حَالُ الزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا تَقَدَّرَتْ بِمُدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تَقَدَّرَتْ بِمُدٍّ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا تَقَدَّرَتْ بِمُدٍّ وَنِصْفٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالُكٌ: نَفَقَةُ الزَّوْجِيَّةِ مُعْتَبَرَةٌ بِكِفَايَتِهَا، وَلَا اعْتِبَارَ بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ فَخَالَفُوا فِي الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ، فَلَمْ يَجْعَلُوهَا مُقَدَّرَةً وَلَا مُعْتَبَرَةً بِحَالِ الزَّوْجِ وَلَا مُخْتَلِفَةً بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِهِنْدٍ: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ". فَأَذِنَ لَهَا فِي أَخْذِ كِفَايَتِهَا، وَجَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا، وَنَفَقَةُ وَلَدِهَا مُعْتَبَرَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَهُوَ لَا يَأْذَنُ لَهَا إِلَّا فِيمَا تَسْتَحِقُّهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكِفَايَةَ هِيَ الْقَدْرُ الْمُسْتَحَقُّ، وَلِأَنَّ نَفَقَتَهَا فِي مُقَابَلَةِ تَمْكِينِ الزَّوْجِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَالتَّمْكِينُ مُعْتَبَرٌ بِكِفَايَةِ الزَّوْجِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ما في مقابلته من النفقة معتبراً بكافية الزَّوْجَةِ كَالْمُقَاتِلَةِ لَمَّا يَلْزَمُهُمْ كِفَايَةُ الْمُسْلِمِينَ جِهَادَ عَدُوِّهِمُ اسْتَحَقُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفَقَةِ يَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: بِنَسَبٍ، وَزَوْجِيَّةٍ، وَمِلْكٍ، فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ مُعْتَبَرًا بِالْكِفَايَةِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ بِالزَّوْجِيَّةِ مُعْتَبَرًا بِالْكِفَايَةِ.
وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهَا جِهَةٌ تَسْتَحِقُّ بِهَا النَّفَقَةَ.
فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً بِالْكِفَايَةِ كَالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: ٧] . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى اعْتِبَارِ النَّفَقَةِ بِالزَّوْجِ وَاخْتِلَافِهَا بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ. فَسَقَطَ بِذَلِكَ اعْتِبَارُ كِفَايَتِهَا وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى نَفَقَةِ الْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَلِأَنَّهَا أُجْرَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَلِأَنَّ الْمَالَ الْمُسْتَحَقَّ بِالزَّوْجِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا كَالْمَهْرِ، وَلِأَنَّ مَا اسْتَقَرَّ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ مِنَ الْإِطْعَامِ إِذَا لَمْ يَسْقُطُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute