ذَهَبٍ لَابْتَغَى إِلَيْهِمَا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ) وَمَا بَقِيَ حُكْمُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ نَسْخُ رَسْمِهِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ أَحَدِهِمَا لَا يوجب رفع الآخر، كما أن رفع حُكْمَهُ لَا يُوجِبُ رَفْعَ رَسْمِهِ، فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا التَّرْتِيبِ أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ إِنْ جَعَلْنَاهُ مَنْسُوخًا وَبَيْنَ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ إِنْ جَعَلْنَاهُ مُجْمَلًا أَوْ محدوداً ولم ينسخ القرآن بالسنة.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حَالِ الزِّنَا وَاسْتِقْرَارِهِ عَلَى رَجْمِ الثَّيِّبِ وَجَلَدِ الْبِكْرِ فَلَا يَخْلُو حَالُ الزَّانِي مَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا عَلَى مَا سَنَصِفُهُ مِنْ حَالِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، فَإِنْ أن ثَيِّبًا وَيُسَمَّى الثَّيِّبُ مُحْصَنًا فَحَدُّهُ الرَّجْمُ دُونَ الْجَلْدِ.
وَذَهَبَ الْخَوَارِجُ: إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ دُونَ الرَّجْمِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ؛ احتجاجاً بظاهر القرآن وأن الرَّجْمَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَلَيْسَتْ حُجَّةً عِنْدَهُمْ في الأحكام.
وقال داود بن علي، وأهل الظَّاهِرِ: عَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ، فَجَمَعُوا عَلَيْهِ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ احْتِجَاجًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ) .
وَبِرِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنِ الشعبي أن شراحة الهمدانية أتت علياً عليه السلام فقالت: قد زنيت قال: لَعَلَّكِ غَيْرَاءُ، لَعَلَّكِ رَأَيْتِ رُؤْيَا، قَالَتْ لَا، فَجَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا يُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَ عُقُوبَتَيْنِ كَالْبِكْرِ يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِلَى آية الرَّجْمُ دُونَ الْجَلْدِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الرَّجْمِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ الْخَوَارِجُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الأخبار عن الرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْلًا وَفِعْلًا وَعَنِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا وَعَمَلًا وَاسْتِفَاضَتُهُ فِي النَّاسِ وَانْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ حُكْمُهُ مُتَوَاتِرًا، وَإِنْ كَانَ أَعْيَانُ الْمَرْجُومِينَ فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ خِلَافِ حدث بعده.
والدليل على أن الرجم سَاقِطٌ فِي رَجْمِ الثَّيِّبِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَلَوْ جَلَدَهُمَا لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ رَجْمُهُمَا.
وَرَوَى عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ أَتَاهُ فَأَقَرَّ عنده