ضَمِنَهُمَا جَمِيعَ الْقِيمَةِ فِي الْبَعِيرِ وَلَمْ يَرْجِعِ الْغَارِمُ مِنْهُمَا عَلَى الرَّدِيفِ بَعْدَ غُرْمِهَا إِلَّا بِقَدْرِ مَا كَانَ يَلْزَمُ الرَّدِيفُ مِنْهَا عَلَى الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ طَحَّانًا لِيَطْحَنَ لَهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ بِقَفِيزٍ مِنْهَا مَطْحُونًا لَمْ يجز لأنه جعل المعقودة عَلَيْهِ مَعْقُودًا بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ يَعْنِي بِهِ مَا اكْتَرَاهُ وَلَكِنْ لَوِ اسْتَأْجَرَ لِطَحْنِ تِسْعَةِ أَقْفِزَةٍ بِالْقَفِيزِ الْعَاشِرِ مِنْهَا جَازَ لِأَنَّهُ جَعَلَ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَعَشَرَةً مَعْقُودًا بِهِ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ إِلَى غَسَّالٍ فَغَسَلَهُ أَوْ إِلَى قَصَّارٍ فَقَصَّرَهُ أَوْ إِلَى خَيَّاطٍ فَخَاطَهُ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَذْكُرَ لَهُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً.
وَالثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ لَهُ أُجْرَةً مَجْهُولَةً.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَذْكُرَ لَهُ أُجْرَةً فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً كَقَوْلِهِ اغْسِلْ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ فَهَذِهِ إِجَارَةٌ صَحِيحَةٌ وَلِلْغَسَّالِ الدِّرْهَمُ الْمُسَمَّى وَإِنْ ذَكَرَ لَهُ أُجْرَةً مَجْهُولَةً كَقَوْلِهِ اغْسِلْهُ لِأُرْضِيَكَ أَوْ لِأُقَاطِعَكَ أَوْ لِأُعْطِيَكَ مَا شِئْتَ فَهَذِهِ إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَلِلْغَسَّالِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ عَمَلَهُ إِلَّا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ.
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً وَلَا مَجْهُولَةً. مِثْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَسَّالٍ فَيَغْسِلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ أَجْرًا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِأَنَّهُ صَارَ بَاذِلًا لِعَمَلِهِ عَلَى غَيْرِ بَدَلٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ أَجْرًا كَمَا لَوْ بَذَلَ طَعَامَهُ عَلَى غَيْرِ بَدَلٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ ثَمَنًا وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْكِنِّي دَارَكَ شَهْرًا فَأَسْكَنَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ أَجْرًا فَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ اغْسِلْ ثَوْبِي فَغَسَلَهُ وَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ لَهُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ قَدْ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِعَمَلِهِ فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ وَهَذَا يَفْسَدُ بِبَاذِلِ الطَّعَامِ وَدَافَعِ الدَّارِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إِنْ كَانَ رَبُّ الثَّوْبِ سَأَلَ الْغَسَّالَ مُبْتَدِئًا فَقَالَ اغْسِلْ ثَوْبِي هَذَا فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ الْغَسَّالُ طَلَبَهُ مُبْتَدِئًا مِنْ رَبِّهِ فَقَالَ أَعْطِنِي ثَوْبَكَ لِأَغْسِلَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ إِنْ كَانَ الْغَسَّالُ مَعْرُوفًا أَنْ يَغْسِلَ بِأَجْرٍ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِذَلِكَ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَكُلُّ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَاسِدَةٌ بِبَاذِلِ الطَّعَامِ وَدَافِعِ الدَّارِ حَيْثُ لَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَائِلًا أَوْ مَسْئُولًا وَمَعْرُوفًا بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا إِذَا نَزَلَ رَجُلٌ فِي سَفِينَةِ مَلَّاحٍ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ فَحَمَلَهُ فِيهَا إِلَى بَلَدٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّ الرَّاكِبَ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِمَنْفَعَةِ مَوْضِعِهِ مِنَ السَّفِينَةِ عَلَى مَالِكِهَا فَضَمِنَ الْأُجْرَةَ وَهَكَذَا الْجَمَّالُ. وَإِنْ نَزَلَ فِيهَا عَنْ إِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عِوَضٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا أُجْرَةَ لَهُ وعلى قول