مِنْهُ بِالْوَدِيعَةِ أَوْ بِالرَّهْنِ أَوْ بِالْإِجَارَةِ ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ، نُظِرَ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ قَبْضِهِ أَنَّهُ مَالُهُ بَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ تَلَفُهُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُودَعِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ بَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ تَلَفُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَفِي بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ مِنْهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَبْرَأُ مِنْهُ لِعَوْدِهِ إِلَى يَدِ مَالِكِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَبْرَأُ مِنْهُ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ يَدِهِ إِمَّا نِيَابَةً عَنْهُ أَوْ أَمَانَةً مِنْهُ فَلَمْ تَزَلْ يَدُهُ فَكَانَ عَلَى ضَمَانِهِ فَلَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ خَلَطَهُ بِمَالِ الْمَالِكِ فَتَلِفَ وَالْمَالِكُ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَالُ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنْ تَلِفَ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَالِكِ بَرِئَ مِنْهُ الْغَاصِبُ وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ كَانَ فِي بَرَاءَتِهِ وجهان.
[مسألة]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ حَلَّ دَابَةً أَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طائرٍ فَوَقَفَا ثُمَّ ذَهَبَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُمَا أَحْدَثَا الذَّهَابَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلِ حَلَّ دَابَّةً مَرْبُوطَةً أَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ مَحْبُوسٍ فَشَرَدَتِ الدَّابَّةُ وَطَارَ الطَّائِرُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ شُرُودُ الدَّابَّةِ وَطَيَرَانُ الطَّائِرِ بِتَهْيِيجِهِ وَتَنْفِيرِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إِجْمَاعًا وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ الْحَلُّ سَبَبًا وَالطَّيَرَانُ مُبَاشَرَةً لِأَنَّهُ قَدْ أَلْجَأَهُ بِالتَّهْيِيجِ وَالتَّنْفِيرِ إِلَى الطَّيَرَانِ وَإِذَا انْضَمَّ إِلَى السَّبَبِ إِلْجَاءُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ الْمُلْجِئِ وَسَقَطَ حُكْمُ الْفَاعِلِ كَالشَّاهِدَيْنِ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَتْلِ إِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا تَعَلُّقُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا دُونَ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُمَا أَلْجَآهُ بِالشَّهَادَةِ فَسَقَطَ حُكْمُ الْمُبَاشِرَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ تَهْيِيجٌ وَلَا تَنْفِيرٌ للدابة والطائر ففيه حالتان:
أحدهما: أَنْ يَلْبَثَا بَعْدَ حَلِّ الرِّبَاطِ وَفَتْحِ الْقَفَصِ زَمَانًا وَإِنْ قَلَّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِانْفِصَالِ السَّبَبِ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَشْرُدَ الدَّابَّةُ وَيَطِيرَ الطَّائِرُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ فَفِي الضَّمَانِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِاتِّصَالِ السَّبَبِ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْإِلْجَاءِ وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ مُتَّصِلًا وَمُنْفَصِلًا بِأَنَّ أَسْبَابَ التَّلَفِ