(فَصْلٌ:)
وَالْفَصْلٌ الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ، أَنْ لَا يُعْطِيَهُ مَالَهُ فَلَهُ فِي أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ سِتَّةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا فَيَحْنَثُ، سَوَاءٌ أُخِذَ الْمَالُ مِنْهُ، بِاخْتِيَارٍ أَوْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ مُعَلَّقٌ بِالْعَطَاءِ دُونَ الْأَخْذِ، وَقَدْ وُجِدَ فَوَقَعَ الْحِنْثُ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إِلَى وَكِيلِهِ فَلَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَخَذَهُ الْوَكِيلُ بِأَمْرِهِ أَوْ غَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى غَيْرَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَوَلَّى وَكِيلُهُ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِ، فَلَا حِنْثَ سَوَاءٌ دَفَعَهُ الْوَكِيلُ بِأَمْرِهِ أَوْ غَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ غَيْرُهُ.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يُعْطِيَهُ الْمَالَ عَرَضًا أَوْ حَوَالَةً، فَلَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ أَعْطَى بَدَلَ الْمَالِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَالَ.
وَالْحَالُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يَأْخُذَهُ السُّلْطَانُ مِنْ مَالِهِ جَبْرًا، فَيُعْطِيَهُ فَلَا حِنْثَ، كَدَفْعِ الْوَكِيلِ. وَالْحَالُ السَّادِسَةُ: أَنْ يُخَوِّفَهُ السُّلْطَانُ عَلَى دَفْعِهِ، فَيُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مُكْرَهًا، فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ إِنْ كَلَّمْتِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْهُ حَيْثُ يَسْمَعُ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مُكْرَهَةً لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَةً حَنِثَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا قَالَ لَهَا: إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ مُخْتَارَةً كَلَامًا سَمِعَهُ، سَوَاءٌ قَلَّ الْكَلَامُ أَوْ كَثُرَ، أَجَابَ زَيْدٌ عَنْهُ أَوْ لَمْ يُجِبْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ وُجِدَ، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ فَلَمْ يَسْمَعْ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ لِقُرْبِهِ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِشُغْلِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: كَلَّمْتُ فُلَانًا فَلَمْ يَسْمَعْ فَصَارَتْ مُكَلِّمَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ لِبُعْدِهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُكَلِّمَةً لَهُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ وَاصِلًا إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ مُتَكَلِّمَةٌ وَلَيْسَتْ مُكَلِّمَةً، وَلَوْ كَلَّمَتْهُ وَهُوَ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهَا، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَهُ، لَوْ كَانَ سَمِيعًا فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ كَمَا لَوْ كَلَّمَتْ سَمِيعًا، فَلَمْ يَسْمَعْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْمَعُ، لِأَنَّ مِثْلَهُ غَيْرُ مُكَلَّمٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [الروم: ٥٢] .
وَلَوْ كَلَّمَتْهُ وَهُوَ حَيٌّ حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَتْهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ، لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ