للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لِلسُّكْنَى كَالْمَنَازِلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَفَرُّدَهُمْ بِهَا يُفْضِي إِلَى اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ،

وَصَلَاتِهِمْ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: ٥٧] .

فَأَمَّا إِنْ أَوْصَى بِالصَّدَقَةِ عَلَى فُقَرَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَازَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [النساء: ٨] ، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمُوصِي مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا.

(فَصْلٌ)

: وَلَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ أَوْ مُشْرِكٌ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ لِمُشْرِكٍ، فَفِي الْوَصِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَرٍّ عَلَيْهَا، فَلَا يَمْلِكُ بِهَا، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَبُولِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهَا صَحِيحَةٌ يَمْلِكُهُ بِهَا، وَلَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى شِرْكِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: إِنْ أَسْلَمْت أُقِرَّ الْعَبْدُ عَلَى مِلْكِكَ، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ فَبِعْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ، وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْكَ، فَإِنْ كَاتَبَهُ أُقِرَّ عَلَى كِتَابَتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ، فَيَعْتِقَ أَوْ يَعْجِزَ، فَيَرِقَّ، وَيُبَاعَ عَلَيْهِ قَدْ بِيعَ سَلْمَانُ فِي رِقِّهِ، فَاشْتَرَاهُ يَهُودِيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَكَاتَبَ الْيَهُودِيَّ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ لَهُ وَادِيًا، فَفَعَلَ وَعَتَقَ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنَّ الْوَصِيَّةَ مَوْقُوفَةٌ مُرَاعَاةً، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَبُولِهَا مَلَكَهَا، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ قَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ يَمْلِكْهَا؛ لِأَنَّ وَقَفَ الوصية جائز.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ قَالَ اكْتُبُوا بِثُلُثِي التَوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ فَسَخْتُهُ لِتَبْدِيلِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بأيديهم} الآية ".

قال المارودي: وَهَذَا صَحِيحٌ. الْوَصِيَّةُ بِكَتْبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُوصِي بِهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، وَتَصِحُّ عِنْدَ قَوْمٍ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمَنْقُولَةِ، بِالِاسْتِفَاضَةِ، فَاسْتَحَالَ فِيهِ التَّبْدِيلُ كَالْقُرْآنِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ التَّبْدِيلَ وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُمْ، فَقَدْ كَانَ فِي حُكْمِ التَّأْوِيلِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ التَّنْزِيلِ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ، وَخَبَرُهُ أَصْدَقُ أَنَّهُمْ بَدَّلُوا كُتُبَهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [البقرة: ٧٩] وَقَالَ تَعَالَى {يُحَرِّفُونَ؟ (الْكَلِمَ) عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: ٤٨] فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ نَسَبُوا إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَحَرَّفُوا عَنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَبْدِيلِ المعنى واللفظ، وإن كَانَ مُبَدَّلًا كَانَتْ تِلَاوَتُهُ مَعْصِيَةً لِتَبْدِيلِهِ، لَا لِنَسْخِهِ، فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا يُتْلَى كَتِلَاوَةِ النَّاسِخِ، وَإِذَا كَانَتْ تِلَاوَتُهُ مَعْصِيَةً كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بالمعصية باطلة

<<  <  ج: ص:  >  >>