للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحْدَهُ، اعْتِبَارًا بِلُحُوقِ نَسَبِهِ بِأَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ، كَذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ أَحْكَامَهُ فِي اتِّبَاعِ أبويه تنقسم قسمين:

أحدهما: مَا كَانَ فِيهَا تَابِعًا لِأَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ، وَهُوَ النَّسَبُ.

وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِيهَا تَابِعًا لِأُمِّهِ دُونَ أَبِيهِ، وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ، فَأَمَّا مَا يَنْفَرِدُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ فخارجٌ مِنَ الْقِسْمَيْنِ، وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيْمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) {الطور: ٢١) فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَوْلَادَ يَتَّبِعُونَ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتَ فَيَ الْإِيمَانِ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْإِسْلَامُ يَعْلُو " وَلَا يُعْلَى " وَقَدْ خُلِقَ الوَلَدُ مِنْ مَاءِ الْأَبَوَيْنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ إِسْلَامُ أَحَدِهِمَا وَكُفْرُ الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يَعْلُوَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْكُفْرِ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّ مولودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ " فَجَعَلَ اجْتِمَاعَ أَبَوَيْهِ سَبَبًا لِشُهُودِهِ فَخَرَجَ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا مِنَ الْيَهُودِيَّةِ؟ وَلِأَنَّهُ لَوِ افْتَرَقَ حُكْمُ أَبَوَيْهِ فِي إِسْلَامِهِ لَكَانَ اعْتِبَارُهُ بِأُمِّهِ أَحَقُّ، لِأَنَّهُ مِنْهَا قَطْعًا، وَمِنْ أَبِيهِ ظَنًّا.

فَأَمَّا السَّبَبُ فَلَا يَلْزَمُ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِي التَّحْرِيمِ مُعْتَبَرٌ لِكُلٍّ واحدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ بِالدِّينِ أَشْبَهَ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِتَقْسِيمِ الْحُكْمَيْنِ فَقَدْ يَقْتَرِنُ بِهِمَا ثَالِثٌ وهو أن حربة الْأَبِ تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ إِذَا وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَرِقُّ الْأُمِّ يُوجِبُ رِقَّ الْوَلَدِ إِذَا وَطِئَهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ، فَصَارَتِ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ مُعْتَبَرَيْنِ بِكُلِّ واحدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ فَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ وَيَصِيرُ هَذَا قِسْمًا ثَالِثًا.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا صَحَّ إِسْلَامُ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِإِسْلَامِ كُلٍّ واحدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ فَعِتْقُ الصَّغِيرِ فِي الْكَفَّارَةِ مجزئٌ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الزَّمِنِ؟ لِأَنَّ نَقْصَ الصَّغِيرِ يَزُولُ، وَنَقْصِ الزَّمَانَةِ لَا يَزُولُ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، مُسْتَغْنِيًا عَنِ التَّرْبِيَةِ كَالْمُرَاهِقِ، أَوْ كَانَ طِفْلًا يُرَبَّى كَالرَّضِيعِ؟ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ وَيَسْتَكْمِلُ وَنَفَقَتُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الصَّدَقَاتِ وَلَا يَجِبُ عَلَى مُعْتِقِهِ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهَا حَتَّى يَبْلُغَ هُوَ الِاكْتِسَابَ كَانَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ تَجِبْ، فَأَمَّا عِتْقُ الْمَجْنُونِ فَلَا يُجْزِئُ إِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُسْتَدِيمًا طَبْعًا وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ فِي زَمَانٍ وَيُفِيقُ فِي زَمَانٍ، فَإِنْ كَانَ زَمَانُ جُنُونِهِ أَكْثَرَ مِنْ زَمَانِ إِفَاقَتِهِ، أَوْ كَانَا سَوَاءً لَمْ يُجْزِهِ عِتْقُهُ، وَإِنْ كَانَ زَمَانُ إِفَاقَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ جُنُونِهِ، فَفِي إِجْزَاءِ عِتْقِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ كَمَا يُجْزِئُ عِتْقُ مَنْ قَلَّ عَيْبُهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُ، لِأَنَّ قَلِيلَ الْجُنُونِ يَصِيرُ كَثِيرًا، فَأَمَّا عِتْقُ الْأَحْمَقِ فَيُجْزِئُ، لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِتَدْبِيرِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا عِتْقُ الْفَاسِقِ فَمُجْزِئٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>