للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَالِكٌ: الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا. وَبِهِ قَالَ حَمَّادٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.

اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ وَجَّهَ بِغُلَامٍ لَهُ وَمَعَهُ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ فَقَالَ: اشترِ بِهِ شَعِيرًا فَاشْتَرَى بِهِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَازْدَادَ صَاعًا آخَرَ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا. رُدَّهُ فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ. قَالَ: وَطَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرُ.

فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ.

قَالَ: وَلِأَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَيَمْتَزِجَانِ فِي الْمُشَاهَدَةِ فَجَرَيَا مَجْرَى شَامِيٍّ وَحَبَشَانِيٍّ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسَانِ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: وَلَكِنْ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ والشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ.

فَجَوَّزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا نَصًّا مَعَ قَوْلِهِ: فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسَانِ.

وَلِأَنَّ الشَّعِيرَ مُخَالِفٌ لِلْبُرِّ فِي صِفَتِهِ وَخِلْقَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ، وَإِنْ قَارَبَهُ مِنْ وَجْهٍ فَحَلَّ مِنَ الْبُرِّ مَحَلَّ الزَّبِيبِ مِنَ التَّمْرِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَا جِنْسَيْنِ كَمَا أَنَّ الزَّبِيبَ مِنَ التَّمْرِ جِنْسَانِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ مِنَ الْخَبَرِ قَوْلُ مَعْمَرٍ دُونَ رِوَايَتِهِ وَلَيْسَ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ حُجَّةً مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ تَقَارُبِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَامْتِزَاجِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَلَيْسَ تَقَارُبُهُمَا فِي الْمَنْفَعَةِ بِمُوجِبٍ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْجِنْسِ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. وَلَيْسَ امْتِزَاجُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ كَالتُّرَابِ الْمُمْتَزِجِ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَاللَّهُ أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَأَمَّا خَلُّ الزَّبِيبِ فَلَا خَيْرَ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِثْلًا بِمَثَلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمَاءَ يَقِلُّ فِيهِ وَيَكْثُرُ فَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَجْنَاسُ فَلَا بَأْسَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.

وَمُقَدِّمَاتُ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ التَّمْرَ وَالرُّطَبَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالزَّبِيبُ وَالْعِنَبُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْمَاءَ هَلْ فِيهِ الرِّبَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: لِأَصْحَابِنَا:

أَحَدُهُمَا: فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ.

وَالثَّانِي: لَا رِبَا فِيهِ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ لَا يَتَحَوَّلُ. وَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّ مَنْ غَصَبَ مَاءً فَتَوَضَّأَ بِهِ جَازَ. وَلَوْ غَصَبَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجُزْ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَبَيْعُ خَلِّ العنب

<<  <  ج: ص:  >  >>