للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَبْلَ هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنَفَذَ إِلَيْهَا وَهُوَ بِمَكَةَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَمِيرًا عَلَيْهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ، وَكَانَ يُدْعَى الْقَارِئَ، فَخَرَجَ مُصْعَبٌ مِنْ مَكَّةَ حَتَى وَرَدَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِ الْجُمُعَةِ وَأَحَبَّ مُصْعَبٌ أَنْ يُشَرِّفَ أَسْعَدَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَوَاتِ بِنَفْسِهِ، فَصَلَّى أَسْعَدُ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ، فَيَ حَيِّ بَنِي بَيَاضَةَ بأمر مصعب " وكانت أول جمعة صليت في الإسلام، فإن قيل فلم أمر مصعباً بإقامتها بالمدينة، ولم يصلها هو وأصحابه بمكة؟ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قِلَّةُ أَصْحَابِهِ عَنِ الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمْعَةُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا دُونَ الْأَرْبَعِينَ حَتَّى تَمُّوا بِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه. والثاني: وكأنه أشهر أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْجُمْعَةِ إِظْهَارَهَا وَانْتِشَارَ أَمْرِهَا، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَائِفًا مِنْ قُرَيْشٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُجَاهَرَتِهِمْ بِهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يُصَلِّهَا، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْعَةُ، قَبْلَ الْهِجْرَةِ، لَمْ تُفْرَضْ عَلَى الْأَعْيَانِ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ بَعْدَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ لِأَنَّ جَابِرًا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ بِالْمَدِينَةِ " إِنَّ اللَّهَ عَزَ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فِي عَامِي هَذَا، فِي شَهْرِي هَذَا، فِي سَاعَتِي هَذِهِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجُمْعَةَ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ

وَقَدْ كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَرُوبَةَ، قَالَ الشَّاعِرُ:

(نَفْسُ الْفِدَاءِ لِأَقْوَامٍ هُمُ خَلَطُوا ... يَوْمَ الْعَرُوبَةِ أَوْرَادًا بِأَوْرَادِ)

وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأَحَدَ أَوَّلَ، وَالِاثْنَيْنِ أَهْوَنَ، وَالثُّلَاثَاءَ جُبَارًا، وَالْأَرْبِعَاءَ دُبَارًا، وَالْخَمِيسَ مُؤْنِسًا، وَالْجُمْعَةَ عَرُوبَةَ

قَالَ الشَّاعِرُ:

(أُؤَمِّلُ أَنْ أَعِيشَ وَإِنَّ يَوْمِي ... بِأَوَّلَ أَوْ بِأَهْوَنَ أَوْ جُبَارِ)

(أَوِ التَّالِي دُبَارَ فَإِنْ أَفُتْهُ ... فَمُؤْنِسَ أَوْ عَرُوبَةَ أَوْ شيار)

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْجُمْعَةَ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ، فَوُجُوبُهَا مُعْتَبَرٌ بِسَبْعِ شَرَائِطَ، وَهِيَ الْبُلُوغُ، وَالذُّكُورِيَّةُ، وَالْعَقْلُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالصِّحَّةُ، وَالِاسْتِيطَانُ، فَهَذِهِ سبع

<<  <  ج: ص:  >  >>