[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَطَعَ يَدَ سَيِّدِهِ فَبَرَأَ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ اتَّبَعَهُ بِأَرْشِ يَدِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا قَطَعَ المكاتب يده سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَبَعْدَهُ، وَتَكُونُ الْكِتَابَةُ بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ كَحَالِهَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ فِيهِ، فَهَلْ لَهُ الدِّيَةُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا يَسْتَحِقُّهَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ كَالْقِصَاصِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّهَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ مُسْتَقِرٌّ، وَوُجُوبَ الدِّيَةِ مُتَرَقَّبٌ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لِجَوَازِ الزِّيَادَةِ بِالسِّرَايَةِ أَوِ النُّقْصَانِ بِالْمُشَارَكَةِ، فَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا إِلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قُلْنَا بِالْأَول إنَّ الدِّيَةَ تُسْتَحَقُّ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَقَدِ اجْتَمَعَ لِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ حَقَّانِ مَالُ الْكِتَابَةِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ، وَفِي قَدْرِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْ دِيَةِ الْيَدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: دِيَةُ الْيَدِ، وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ هَذَانِ الْحَقَّانِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، أَخَذَهُ السَّيِّدُ بِهِمَا، فَإِنْ أَتَاهُ الْمُكَاتَبُ بِأَحَدِهِمَا نَظَرَ، فَإِنْ جَعَلَهُ الْمَكَاتَبُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَكَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ بَاقِيًا إِنْ عَجَزَ عَنْهُ الْمُكَاتَبُ، فَلِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ بِهِ وَإِعَادَتُهُ إِلَى الرِّقِّ، وَإِنْ جَعَلَ الْمُكَاتَبُ مَا أَدَّاهُ مَصْرُوفًا إِلَى مَالِ الْكِتَابَةِ دُونَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَلِلسَّيِّدِ الْخِيَارُ فِي قَبُولِهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوِ الْعُدُولِ بِهِ إِلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ، لِئَلَّا يَعْتِقَ بِالْكِتَابَةِ، ويتوى بإعساره وحريته أرش الجناية، فإن اختاره أَخْذَهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَانَ ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ لَهُ مَالُ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ بِهِ، وَصَارَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ تَعْجِيزُهُ بِهِ، وَكَانَ قَدْرُ الْأَرْشِ مُعْتَبَرًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ.
فَصْلٌ
وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ إِلَّا بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَحْدَهُ إِلَّا أَنْ تَنْدَمِلَ يَدُهُ، وَأَيُّ مَالٍ أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُونَ مَحْسُوبًا مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَانَ فِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ مِنْ تَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، أَصَحُّهُمَا هَاهُنَا الْمَنْعُ مِنْهُ: لِأَنَّهُ مَعَ تَأْجِيلِهِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ، فَإِذَا انْدَمَلَتْ يَدُ السَّيِّدِ لَمْ يَخْلُ حَالَ انْدِمَالِهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ بِالْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ فَقَدْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute