وَفِي أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْهُ فِيهِ تَيْسِيرٌ قَدْ أُمِرَ بِهِ وَفِي هَدْمِ بِنَائِهِ تَعْسِيرٌ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ. قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ يُسْتَضَرُّ بِرَدِّهِ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَالْخَيْطِ إِذَا خَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّهُ إِلَّا بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ فَلَمْ يَجِبْ رَدُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ مَالٌ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ. وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ ". فَلَزِمَهَا رَدُّ اللَّوْحِ لِأَخْذِهِ. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَحِلُّ لامرئٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ " وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مَالَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَهَذَا خَبَرٌ ظَاهِرٌ كَالنَّصِّ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدًا وَمَقَالًا " وَلِأَنَّ كُلَّ مَغْصُوبٍ جَازَ رَدُّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رده كالذي لم يبن عليه فرداً وَالْخَيْطِ فِي جَرْحِ الْحَيَوَانِ عَكْسًا وَلِأَنَّهُ شَغَلَ الْمَغْصُوبَ بِمَا لَا حُرْمَةَ لَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَرْضُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَزَرَعَهَا أَوْ غَرَسَهَا. وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوِ احْتَاجَ ابْتَدَأَ إِلَيْهِ لَمْ يُجْبَرْ مَالِكُهُ عَلَيْهِ وَجَبَ إِذَا غَصَبَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى رَدِّهِ إِلَيْهِ كَالْأَرْضِ طَرْدًا وَالْخَيْطِ لِجُرْحِ الْحَيَوَانِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ دخول الضرر على الغاصب لا يمنع عن رَدِّ الْمَغْصُوبِ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَلَّا يَرُدَّ الْمَغْصُوبِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ " فَهُوَ أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الدَّلِيلِ لِأَنَّ فِي مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْهُ إِضْرَارٌ بِهِ فَكَانَ دُخُولُ الضَّرَرِ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَرَفْعُهُ عَنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ دُخُولِهِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي تَيْسِيرِ أَمْرِهِ وَرَفْعِهِ عَنِ الْغَاصِبِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا " فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي تَيْسِيرِ أَمْرِهِ بِرَدِّ مَالِهِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْغَاصِبِ فِي تَمْلِيكِ غَيْرِ مَالِكِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ التيسير في غير العصاة. والغاصب عاصي لَا يَجُوزُ التَّيْسِيرُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الذَّرِيعَةِ إِلَى اسْتِدَامَةِ الْمَعْصِيَةِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْخَيْطِ فِي جُرْحِ الْحَيَوَانِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مُعَارَضَةُ الْأَصْلِ بِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْخَيْطِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَفِي اللَّوْحِ لَهُ رَدُّهُ.
وَالثَّانِي: الْمُعَاوَضَةُ فِي الْأَصْلِ بِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْخَيْطِ أَنَّهُ لَوِ احْتَاجَ ابْتِدَاءً إِلَيْهِ أُجْبِرَ الْمَالِكُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى رَدِّهِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْفَرْعِ، وَهَذَا إِنْ سَلِمُوا مِنْ دُخُولِ النَّقْصِ عَلَيْهِمْ بِالْأَرْضِ إِذَا بَنَى فِيهَا بِأَنْ قَالُوا: لَيْسَتِ الْأَرْضُ عِنْدَنَا مَغْصُوبَةً.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ إِذَا كَانَ فِيهَا مَالٌ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ فَهُوَ أَنَّ اسْتِرْجَاعَ اللَّوْحِ وَاجِبٌ وإنما يستحق لحفظ المال للغير وبالصبر حَتَّى تَصِلَ السَّفِينَةُ إِلَى الشَّطِّ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ نَقْضَ الْبِنَاءِ لِرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَاجِبٌ فَسَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّوْحِ قَلِيلَةٌ أَوْ كَثِيرَةٌ حَتَّى لو كانت قيمة اللوح درهم وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ أَلْفَ دِرْهَمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute