للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل: حكم وجوب الأكل على المفطر]

فَأَمَّا الْمُفْطِرُ إِذَا حَضَرَ فَفِي وُجُوبِ الْأَكْلِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْحُضُورِ وَلِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ وَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ ".

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ وَهُوَ فِيهِ مُخَيَّرٌ لِرِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ "، وَلِأَنَّ فِي الْأَكْلِ تَمَلُّكٌ، قَالَ: فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَالْهِبَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَكْلَ فِي الْوَلِيمَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، فَإِنْ أَكَلَ غَيْرُهُ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْأَكْلِ وَإِلَّا خَرَجَ جَمِيعُ الْحَاضِرِينَ لِمَا فِي امتناع جميعهم من عدم مقصود، وَانْكِسَارِ نَفْسِهِ وَإِفْسَادِ طَعَامِهِ.

فَصْلٌ

وَيَنْبَغِي لِمَنْ حَضَرَ الطَّعَامَ أَنْ يَأْكُلَ إِلَى حَدِّ شِبَعِهِ وَلَهُ أَنْ يُقْصِرَ عَنِ الشِّبَعِ وَيَحْرُمَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ وَمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ، فَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ شِبَعِهِ لَمْ يَضْمَنِ الزِّيَادَةَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَأْكُلُهُ لِيَحْمِلَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَلَا أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّ الْأَكْلَ هُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ كَالْمُضَحِّي وَلَا يَجُوزُ إِذَا جَلَسَ عَلَى الطَّعَامِ أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ الَّذِي أَطْعَمَهُ مِنَ الْمَدْعُوِّينَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْعُوٍّ ضَمِنَ.

وَهَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ إِلَى الطَّعَامِ مَنْ لَمْ يَدْعُهُ صَاحِبُ الْوَلِيمَةِ، فَإِنْ أَحْضَرَ مَعَهُ أَحَدًا فَقَدْ أَسَاءَ، وَالضَّمَانُ عَلَى الْآكِلِ دُونَ الْمُحْضِرِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَدْعُوَّ ضَيْفًا وَالتَّابِعَ ضَيْفَنَ قَالَ الشَّاعِرُ:

(إِذَا جَاءَ ضيفٌ جَاءَ لِلضَّيْفِ ضَيْفَنُ ... فَأَوْدَى بِمَا نُقْرِي الضُّيُوفَ الضَّيَافِنُ)

فَصْلٌ

وَيُخْتَارُ لَهُ إِذَا أَكَلَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ آدَابَ أَكْلِهِ الْمَسْنُونَةَ.

فَمِنْهَا غَسْلُ يَدَيْهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْحَالَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ.

رَوَى أَبُو هَاشِمٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ بَرَكَةُ الطَّعَامِ فذكرته للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَ الطَّعَامِ بَرَكَةُ الطعام ".

<<  <  ج: ص:  >  >>