للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى عَامِرُ بْنُ عُقْبَةَ الْجُهَنِيُّ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن الصلاة من ثلاثة أوقاتٍ وأن تدفن فِيهِنَّ مَوْتَانَا، حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ تَقُومُ الظَّهِيرَةُ حَتَّى تَزُولَ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَوْلُهُ: حِينَ تَضَيَّفُ مَالَتْ لِلْمَغِيبِ، وَقَدْ سُمِّيَ الضَّيْفُ ضَيْفًا، لِأَنَّهُ مَالَ إِلَيْكَ وَنَزَلَ عَلَيْكَ

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ قِيلَ: فِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَهْيَهُ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ لِيَكُونَ أَقْوَى لَهُمْ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى وَبَعْدَ الْعَصْرِ لِيَكُونَ أَقْوَى لَهُمْ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَعِنْدَ نِصْفِ النَّهَارِ لِأَجْلِ الْقَائِلَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَجْلِسُ فِيهَا لِمَعَالِمِ دِينِهِمْ وَتِلَاوَةِ الْوَحْيِ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا يَنْقَطِعُونَ عَنْ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ فَنَهَاهُمْ عَنْهَا وَعِنْدَ قِيَامِ الظَّهِيرَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَقِيلُ "

وَالتَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: إِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ مَا صَرَّحَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ مُقَارَنَةِ الشَّيْطَانِ لِلشَّمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ

فأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَرْنُ الشَّيْطَانِ مِنَ الْإِنْسِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَالْمَجُوسِ، وَغَيْرِهِمْ

وَالثَّانِي: جُنْدُ الشَّيْطَانِ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ يَصْرِفُهُمْ فِي أَعْمَالِهِ وَيُنْهِضُهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَيَبْرُزُ بِبُرُوزِهَا وَعِنْدَ قِيَامِهَا، وَعِنْدَ غُرُوبِهَا لِيُظْهِرَ مَكْرَهُ ومكائده فيكون كل من يسجد لها سجد لَهُ، وَالْقَرْنُ: عِبَارَةٌ عَنِ الِارْتِفَاعِ

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ، فَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ بَعْضُ الْبُلْدَانِ دُونَ بَعْضٍ، وَبَعْضُ الْأَيَّامِ دُونَ بَعْضٍ، وَبَعْضُ الصَّلَوَاتِ دُونَ بَعْضٍ، فَأَمَّا تَخْصِيصُ بَعْضِ الْبُلْدَانِ فَمَكَّةُ مَخْصُوصَةٌ مِنْ سَائِرِ الْبُلْدَانِ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهَا فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا

وَقَالَ أبو حنيفة: مَكَّةُ فِي النَّهْيِ كَغَيْرِهَا لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>