أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّاجِزَ أَصْلٌ وَهُوَ أَقْوَى، وَالْمُعَلَّقَ بِالصِّفَةِ فَرْعٌ وَهُوَ أَضْعَفُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَضْعَفُهُمَا رَافِعًا لِأَقْوَاهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ طَلَاقَ الصِّفَةِ لَا يَقَعُ إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِ النَّاجِزِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا تُطَلَّقُ ثَلَاثًا الْوَاحِدَةَ النَّاجِزَةَ وَثِنْتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ بِالصِّفَةِ، وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُ وُقُوعِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ رَابِعَةً مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ مَا سِوَاهَا إِذَا كَانَ وُقُوعُهُ مُمْكِنًا، كَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا طُلِّقَتْ بِدُخُولِ الدَّارِ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَكُنِ امْتِنَاعُ وُقُوعِ الرَّابِعَةِ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا.
وَلِهَذَا الْقَوْلِ وَجْهٌ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ لَهَا: إِنْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ طُلِّقَتْ مَا أَوْقَعَهُ عَلَيْهَا مِنْ نَاجِزِ الطَّلَاقِ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَعَلَى مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ لَا تُطَلَّقُ شَيْئًا، لَا مِنْ نَاجِزِ الطَّلَاقِ وَلَا الْمُعَلَّقِ بِالصِّفَةِ لِتَدْفَعَ الطَّلَّاقَيْنِ.
وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَقَعُ الثَّلَاثُ النَّاجِزَةُ، لِأَنَّهَا أَثْبَتُ الطَّلَّاقَيْنِ وَأَقْوَاهُمَا فَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، فَعَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ: فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ قَطُّ، لأن وقوعه يقتضي وقوع ثلاثة قبله ووقع ثَلَاثَةٍ قَبْلَهُ تَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ مَا بَعْدَهُ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَسْقُطُ حُكْمُ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ بِالصِّفَةِ، لِأَنَّ ثُبُوتَهَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لَا يَلْحَقَهَا طَلَاقٌ أَبَدًا، وَهَذَا مَدْفُوعٌ فِي الزَّوْجَاتِ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِهِنَّ فَبَطَلَ، وَوَقَعَ عَلَيْهَا مَا اسْتَأْنَفَهُ من الطلاق والله أعلم.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ طَلَاقًا حَسَنًا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَاقًا مَصْدَرٌ مُشْتَقٌّ مِنَ اسْمِ الطَّلَاقِ وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي زِيَادَةِ الْعَدَدِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤] . وَلِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَاقًا صِفَةٌ لِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ طَلَاقًا حَسَنًا، وَهَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا وَاحِدَةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي زِيَادَةِ الْعَدَدِ.
فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا ثِنْتَيْنِ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ ثَلَاثًا، لَزِمَهُ ثَلَاثٌ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَزِمَهُ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute