للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[باب دخول مكة]

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأُحِبُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ ذِي طُوًى لِدُخُولِ مَكَّةَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ مِنَ السُّنَّةِ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَنْ يَغْتَسِلَ لِدُخُولِهَا مِنْ بَيْنِ ذِي طُوًى، إِذَا كَانَ طَرِيقُهُ عَلَيْهَا. لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ اغْتَسَلَ بِذِي طُوًى ". وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ إِلَى مَجْمَعِ النَّاسِ لِأَدَاءِ عِبَادَتِهِمْ، واستحب لَهُ الْغُسْلَ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ عَلَى غَيْرِ ذِي طُوًى، اغْتَسَلَ مِنْ حَيْثُ وَرَدَ مِنْ طَرِيقِهِ لِدُخُولِ مَكَّةَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الِاغْتِسَالُ لَا الْبُقْعَةُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَغْتَسِلُ لِدُخوِلِ مَكَّةَ مِنْ بِئْرِ مَيْمُونٍ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ كَانَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ ذَوِي طُوًى، اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِمَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ ذِي طُوًى، لِبِئْرٍ بِهَا كَانَتْ مَطْوِيَّةً بِالْحِجَارَةِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهَا، فَنُسِبَ الْوَادِي إِلَيْهَا، فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِيُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، فَاغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ، ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ، نُظِرَ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ عَنْ مَكَّةَ كَالْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ، فَنَخْتَارُ أَنْ يَغْتَسِلَ ثَانِيَةً لِدُخُولِهِ مَكَّةَ، كَمَا قُلْنَا فِي الدَّاخِلِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ يَقْرُبُ مِنْ مَكَّةَ كَالتَّنْعِيمِ أَوْ أَدْنَى الْحِلِّ، لَمْ يَغْتَسِلْ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ إِنَّمَا يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ وَإِزَالَةِ الْوَسَخِ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَهُوَ بَاقٍ فِي النَّظَافَةِ بِغُسْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ، مَعَ قُرْبِ الزَّمَانَيْنِ وَدُنُوِّ الْمَسَافَةِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا الْحَائِضُ، فَهِيَ كَالطَّاهِرِ، مَأْمُورَةٌ بِالْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر أسماء بالغسل وكانت نفساء، وقال: الحائض تفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بِالْبَيْتِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَأَسْمَاءُ إِنَّمَا أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ.

قِيلَ: مَنْ أُمِرَ بِالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ، أُمِرَ بِالْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَالطَّاهِرِ، وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ قُصِدَ بِهِ تَنْظِيفُ الْجَسَدِ، لَا رَفْعُ الْحَدَثِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَائِضُ وَالطَّاهِرُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْغُسْلَ لدخول

<<  <  ج: ص:  >  >>