وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ يَعُودُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ فِي الطَّرِيقِ. فَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ عَائِدًا إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِمَرَضٍ حَابِسٍ أَوْ أَمْرٍ عَائِقٍ فَقَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَجْزُهُ عَنِ اسْتِيفَاءِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ مَانِعًا مِنِ اسْتِيفَائِهِ بِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ عَائِدًا إِلَى الدَّابَّةِ لِمَرَضِهَا فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ. ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ قَدِ انْقَضَتْ فَقَدْ بَطَلَتْ وَإِنْ كَانَتْ إِلَى مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ فَهِيَ بِحَالِهَا.
وإن كان العذر في الطريق عن جَدْبٍ أَوْ خَوْفٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ لِعُذْرٍ فِي الدَّابَّةِ لَكَوْنِ الْعُذْرِ فِي الْحَالَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ فَصَارَ مَمْنُوعًا مِنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ.
فَصْلٌ
: وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ أَمْسَكَهَا مُدَّةَ شَهْرٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ إِمْسَاكُهَا لِعُذْرٍ مَانِعٍ مِنَ الرَّدِّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الرَّقَبَةِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَ الْمُدَّةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُمْسِكَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُطَالِبَهُ الْمُؤَجِّرُ بِهَا فَيَمْنَعَهُ مِنْهَا فَهَذَا غَاصِبٌ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي مُدَّةِ حَبْسِهَا وَضَمَانُهَا إِنْ تَلِفَتْ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُطَالِبَهُ الْمُؤَجِّرُ بِهَا فَيَسْتَنْظِرَهُ فِيهَا فَيُنْظِرَهُ مُخْتَارًا فَهَذَا فِي حُكْمِ الْمُسْتَعِيرِ يَضْمَنُ الرَّقَبَةَ ضَمَانَ الْعَارِيَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْأُجْرَةَ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَبْذُلَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَلَا يَقْبَلَهَا الْمُؤَجِّرُ فَهَذَا فِي حُكْمِ الْوَدِيعَةِ لَا يَضْمَنُ الرَّقَبَةَ وَلَا الْأُجْرَةَ إِلَّا أَنْ يَرْكَبَهَا فَيَصِيرَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنَ الْأَمْرَيْنِ. وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ رَدٌّ وَلَا مِنَ الْمُؤَجِّرِ طَلَبٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَ نَقْضِ الْإِجَارَةِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْمُؤَجِّرِ وَبَيْنَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّهَا بِنَفْسِهِ كَالْوَدِيعَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ الرَّقَبَةَ وَلَا الْأُجْرَةَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُؤَجِّرِ طَلَبٌ وَمِنَ الْمُسْتَأْجِرِ مَنْعٌ وَلَا وَجْهَ لِمَنْ خَرَّجَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْإِجَارَةِ مِنَ الرَّهْنِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَغَلَّبُ فِيهِ نَفْعُ الْمُرْتَهِنِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ رَدِّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَفِي الْإِجَارَةِ يَسْتَوِيَانِ فَاخْتَصَّ بِهَا الْمَالِكُ لِحَقِّ الْمِلْكِ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمُخَرَّجِ يَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنَ الرَّدِّ بَعْدَ تَقَضِّي مُدَّتِهِ غَاصِبًا يَضْمَنُ الرَّقَبَةَ وَالْأُجْرَةَ.
فَلَوِ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُؤَجِّرُ حَبَسْتَهَا مَانِعًا لَهَا فَعَلَيْكَ الْأُجْرَةُ وَالضَّمَانُ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بَلْ بَذَلْتُهَا لَكَ فَتَرَكْتَهَا عَلَيَّ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيَّ وَلَا ضَمَانَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ فِي ضَمَانِ الرَّقَبَةِ أَنَّهُ مَا حَبَسَهَا مَانِعًا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْأُجْرَةُ فَإِنْ قِيلَ بِالصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَقَّ الرَّدِّ مُخْتَصٌّ بِالْمُؤَجِّرِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا كَالضَّمَانِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهُمَا وَإِنْ قِيلَ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ الْمُخَرَّجِ إِنَّ حَقَّ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَأْدِيَةُ حَقِّهِ مِنَ الرَّدِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute