يُسْتَحَقُّ بِهِ الرَّدُّ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي بَلْ لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ قَدْ صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَمَا حَدَثَ فِي النَّقْصِ كَانَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِالدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ فَلَا يصح بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ مَنَافِعِ الدَّارِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ وَلَا يَقْدِرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى قَبْضِهِ فَبَطَلَتِ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الدَّارِ قَبْلَ الْمُدَّةِ وَلَيْسَتِ الثَّمَرَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ يُمْكِنُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا وَيَحْدُثُ فِي الْحَالِ جَمِيعُهَا، فَلَمْ يَبْطُلِ الْبَيْعُ بِتَلَفِهَا بَعْدَ التَّمْكِينِ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا قَدْ تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا فَنَسْتَوْفِي حُكْمَ تَلَفِهَا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا فَنَقُولُ إِنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ تَلَفِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَتْلَفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ.
وَالثَّانِي: بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَقَبْلَ الْجِدَادِ.
وَالثَّالِثُ: بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَالْجِدَادِ.
فَإِنْ تَلَفَتْ قبل التسليم لم يخل تلفها من ثلاثة أَحْوَالٍ: - إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ بِجِنَايَةِ آدَمِيٍّ، أَوْ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ. - فَإِنْ تَلَفَتْ بِجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ البائع فبطل الْبَيْعُ لَا يُخْتَلَفُ، لِأَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ. - وَإِنْ تَلَفَتْ بِجِنَايَةِ آدَمِيٍّ غَيْرَ الْبَائِعِ فَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ يَبْطُلُ كَمَا لَوْ تَلَفَتْ بِجَائِحَةِ سَمَاءٍ.
والثاني: لا يبطل البيع وإن بَدَلُهَا مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْجَانِي لَكِنْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بِحُدُوثِ الْجِنَايَةِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، وَبَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ وَمُطَالَبَةِ الْجَانِي بِمِثْلِ الثَّمَرَةِ أَوْ قِيمَتِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ.
وَإِنْ تَلَفَتْ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبَيْعُ باطل قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَعَلَى هَذَا فِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِهَا قَوْلَانِ:
فَهَذَا الْحُكْمُ فِي تَلَفِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ. - وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَلَفُهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَقَبْلَ الْجِدَادِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ جِدَادِهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَأَخَّرَهُ حَتَّى تَلَفَتْ فَتَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ تَلَفُهَا بِجَائِحَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْجِدَادِ مَعَ الْإِمْكَانِ تَفْرِيطٌ مِنْهُ والله أعلم.