وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ كَانَ لَازِمًا لِلِابْنِ صَارَ كالصداق الْمُعَيَّنَ فَيَكُونُ لِلْأَبِ بِهِ وَجْهَانِ:
وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَا سَلَّمَ الصَّدَاقَ إِلَى الزَّوْجَةِ حَتَّى طلقت فعلى ضربين:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مُعَيَّنًا، فَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُهُ، والنصف الآخر يعود إلى الأب دُونَ الِابْنِ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مِنَ الْأَبِ لَمْ يَقْبِضْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهَا الِابْنُ عَلَيْهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَازِمٌ لِلْأَبِ لُزُومَ ضَمَانٍ فَقَدْ بَرِئَ الْأَبُ مِنْ نِصْفٍ، لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ بَرِئَ مِنْهُ بِطَلَاقِهِ، وَبَرَاءَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الضَّامِنِ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَازِمٌ لِلْأَبِ لُزُومَ تَحَمُّلٍ فَفِي بَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُعَيَّنِ هَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الِابْنِ أَمْ لَا؟
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا رَجَعَ بِهِ عَلَى الِابْنِ بَرِئَ الْأَبُ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ.
وَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ إِذَا كَانَ في الذمة وكان للأب مطالبته به.
فَصْلٌ
وَإِذَا تَزَوَّجَ الِابْنُ بَعْدَ كِبَرِهِ، وَقَضَى الْأَبُ عَنْهُ صَدَاقَ زَوْجَتِهِ، وَطَلَّقَ الِابْنُ قَبْلَ الدُّخُولِ، رَجَعَ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الَّذِي قَضَاهُ الْأَبُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي قَضَاءِ الْأَبِ لِلصَّدَاقِ.
فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ ابْنِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ، وَهَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الِابْنِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَإِنْ كان الأب دفع ذلك بِغَيْرِ إِذَنِ الِابْنِ، فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْهِبَةِ إِلَى حُكْمِ الْإِبْرَاءِ، وَالْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ بَالِغٌ، لَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ الْأَبُ عَنْهُ فِي قَبُولِ هِبَةٍ، وَلَا قَبْضِهَا.
فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا إِذَا وَجَدَهَا بعينها وجهاً واحداً.
[مسألة]
قال الشافعي: " وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَوْلِيُّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجِيزَ النِّكَاحَ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا شَيْءَ تَسْتَحِلُّ بِهِ إِذَا كُنْتُ لَا أَجْعَلُ عَلَيْهِ فِي سلعةٍ يَشْتَرِيهَا فَيُتْلِفُهَا شَيْئًا لَمْ أَجْعَلْ عَلَيْهِ بِالْإِصَابَةِ شَيْئًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَوْلِيَّ بِالسَّفَهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذن وليه، لأن وقوع الْحَجْرِ عَلَيْهِ قَدْ مَنَعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُقُودِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَ بِهِ.
فَأَمَّا الْمَهْرُ: فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَكْرَهَهَا عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، لِأَنَّ إِكْرَاهَهُ لَهَا كَالْجِنَايَةِ مِنْهُ يَضْمَنُ بِهَا.