وأما وجه افْتِرَاقِهِمَا، فَأَحَدُهُمَا فِي الِاسْمِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
وَالثَّانِي: فِي صِفَتِهِ مِنْ لَوْنٍ وَطَعْمٍ حَتَّى مَاءُ اللَّحْمِ أَحْمَرُ كَثِيفُ الْجِسْمِ ذُو طَعْمِ، وَالشَّحْمُ أَبْيَضُ رَخْوُ الْجِسْمِ ذُو طَعْمٍ آخَرَ، فَيُحْمَلَانِ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى حُكْمِ الِافْتِرَاقِ.
فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الشَّحْمِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ اللَّحْمِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَحْسَبُهُ مَالِكًا: إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ حَنِثَ بِأَكْلِ الشَّحْمِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ اللَّحْمِ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي اسْمِ اللَّحْمِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي اسْمِ الشَّحْمِ، فَافْتَرَقَا، احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ اللَّهَ أَطْلَقَ اسْمَ الشَّحْمِ عَلَى اللَّحْمِ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) {الأنعام: ١٤٥) وَلَمْ يُطْلِقِ اسْمَ الشَّحْمِ عَلَى اللَّحْمِ.
وَالثَّانِي: إنَّ الشَّحْمَ فَرْعُ اللَّحْمِ، لِحُدُوثِهِ عَنْهُ، وَلَيْسَ اللَّحْمُ فَرْعًا لِلشَّحْمِ، لِحُدُوثِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، يَبْطُلُ بِهِمَا اسْتِدْلَالُهُ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ افْتِرَاقَهُمَا فِي الِاسْمِ لَا يُوجِبُ افْتِرَاقَهُمَا فِي الْحُكْمِ.
وَالثَّانِي: إنَّ الِاسْمَ إِذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ.
فَأَمَّا الْآيَةُ، فَلِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ تُحْمَلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَالْمَعَانِي، وَالْأَيْمَانُ تُحْمَلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ دُونَ الْمَعَانِي.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَالِفَ بِأَحَدِهِمَا لَا يَحْنَثُ بِالْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يُمَيَّزَ اللَّحْمُ الَّذِي يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّحْمِ الَّذِي لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا اللَّحْمُ فَهُوَ جَمِيعُ مَا اخْتَصَّ بِكَوْنِهِ فِي بَدَنِ الْحَيَوَانِ مُرَكَّبٌ عَلَى عَظْمِهِ، وَتَغَطَّى بِجِلْدِهِ، فَهُوَ لَحْمٌ يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُقَدَّمِ الْبَدَنِ أَوْ مِنْ مُؤَخَّرِهِ أَوْ جَنْبِهِ أَوْ ظَهْرِهِ. وَالْبَيَاضُ الَّذِي عَلَى الْجَنْبِ وَالظَّهْرِ وَالزَّوْرِ لَمْ يَحْنَثَ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ شحمٌ يَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، وَقَالَ بن شَاذٌّ مِنْ أَصْحَابِنَا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا) {الأنعام: ١٠٦) فَدَلَّ عَلَى دُخُولِهِ فِي الِاسْمِ، وَاسْتِثْنَائِهِ فِي الْحُكْمِ، وَلِأَنَّهُ بِصِفَةِ الشَّحْمِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِصِفَةِ اللَّحْمِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِنَ اللَّحْمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الشَّحْمِ، فَدَلَّ عَلَى