فَصْلٌ:
وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلًا دَابَّةً ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا جَازَ أَنْ يَرْكَبَهَا، ثُمَّ هُوَ قَبْلَ الرُّكُوبِ مُسْتَوْدَعٌ لَا يَضْمَنُ، فَإِذَا رَكِبَ صَارَ مُسْتَعِيرًا ضَامِنًا، فَإِنْ تَرَكَ الرُّكُوبَ لن يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ إِلَّا بِالرَّدِّ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمُودِعُ بَعْدَ الْكَفِّ عَنِ الرُّكُوبِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ ضَمَانُهَا قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَفِي سُقُوطِهِ عَنْهُ بَعْدَ تَسْلِيمِهَا وَجْهَانِ مِنْ عُدْوَانِ الْمُسْتَوْدَعِ إِذَا أُبْرِئَ مِنْهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَصْلٌ:
وَإِذَا أَذِنَ الْمُودِعُ لِلْمُسْتَوْدَعِ فِي إِجَارَةِ الدَّابَّةِ الَّتِي أَوْدَعَهَا إِيَّاهُ فَهُوَ عَلَى أَمَانَتِهِ فِي يَدِهِ، فَإِذَا أَخْرَجَهَا وَسَلَّمَهَا فَقَدِ ارْتَفَعَتْ يَدُهُ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا إِلَّا بِإِذْنٍ، وَلَوْ أَعَادَهَا بِإِذْنِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا مِنَ الْمُسْتَعِيرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهَا فِي الْإِجَارَةِ مُنْتَزَعَةٌ مِنْ يَدِهِ بِعَقْدٍ وَاجِبٍ، وَفِي الْعَارِيَةِ بِعَقْدٍ جَائِزٍ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ وَدِيعَةً إِلَى صَبِيٍّ اسْتَوْدَعَهُ إِيَّاهَا كَانَ مُغَرَّرًا بِمَالِهِ، لأن الصبي لا يباشر حفاظ مَالِهِ فَكَيْفَ مَالُ غَيْرِهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الصَّبِيِّ لَمْ يَخْلُ تَلَفُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَتْلَفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا جِنَايَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، لِأَنَّ الْبَالِغَ لَا يَضْمَنُهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ تَتْلَفَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَمِنَهَا الْبَالِغُ، لِأَنَّ حِفْظَهَا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ صَاحَبَهَا هُوَ الْمُفَرِّطُ دُونَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَتْلَفَ بِجِنَايَتِهِ، فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهَا فِي مَالِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَالِكَهَا هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى اسْتِهْلَاكِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ.
وَالْوَجْهُ الثانِي: أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ، لِأَنَّ الِائْتِمَانَ عَلَيْهَا لَيْسَ بِإِذْنٍ فِي اسْتِهْلَاكِهَا، فَصَارَ كَمَنْ أَبَاحَ صَبِيًّا شُرْبَ مَاءٍ فِي دَارِهِ وَأَكْلَ طَعَامِهِ فَدَخَلَ وَاسْتَهْلَكَ عَلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا أَوْدَعَ صَبِيٌّ رَجُلًا وَدِيعَةً لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُ، لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا نَظَرَ لَهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَبِلَهَا الرَّجُلُ مِنْهُ ضَمِنَهَا حَتَّى يُسَلِّمَهَا إِلَى وَلِيِّهِ، أَوِ الْحَاكِمِ فَإِنْ رَدَّهَا عَلَى الصَّبِيِّ لَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ عَنْهُ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَخْذِ الْوَدِيعَةِ مِنَ الصَّبِيِّ خَائِفًا عَلَيْهَا مِنْ أَنْ يَسْتَهْلِكَهَا فَأَخَذَهَا لِيَدْفَعَهَا إِلَى وَلِيِّهِ أَوْ إِلَى الْحَاكِمِ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَفِي ضَمَانِهِ لَهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهَا، لِأَنَّهُ قَصَدَ خَلَاصَهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهَا، لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْمُحْرِمِ إِذَا خَلَّصَ طَائِرًا فِي جَارِحٍ أَوْ حَيَّةٍ فَتَلِفَ، فَفِي ضمانه بالجزاء قولان - والله أعلم بالصواب -.
آخر كتاب الوديعة والحمد لله كثيرا ولله العصمة.