للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ عَنْ كَفَّارَةٍ فِيهَا تَخْيِيرٌ مِثْلِ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ، فَيُنْظَرُ فِي الْمُعْتِقِ.

فَإِنْ كَانَ وَارِثًا وَقَعَ الْعِتْقُ عَنِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ دُونَ الْمُعْتِقِ، لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْرُوثِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ أَجْنَبِيًّا، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ عَنِ الْمُعْتِقِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ، لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالْوَارِثِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُ عَنِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَيَكُونُ وَاقِعًا عَنِ الْمُعْتِقِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْعُدُولُ عَنِ الْعِتْقِ إِلَى الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ صَارَ الْعِتْقُ فِيهَا كَالتَّطَوُّعِ.

فَصْلٌ

وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدًا عَلَى شَرْطِ الْخِدْمَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ مُدَّةً مَعْلُومَةً اتَّفَقَا عَلَيْهَا، وَرَضِيَا بِهَا جَازَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَإِنْ شَذَّ مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ، وَتَعَجَّلَ عِتْقَهُ نَاجِزًا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْدِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ تِلْكَ الْخِدْمَةَ الْمَشْرُوطَةَ إِلَى انْقِضَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ. رُوِيَ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا لِأُمِّ سَلَمَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَعْتَقَتْنِي، وَشَرَطَتْ عَلَيَّ أَنْ أَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا عِشْتُ.

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَعْتَقَ عَبِيدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْفِرُوا الْقُبُورَ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبِيدًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدُمُوا الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِذَا أَخَذَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ فَرَائِضَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَصَبَةُ قَرَابَةٍ مِنْ قِبَلِ الصُلْبِ كَانَ مَا بَقِيَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْوَلَاءُ فَيُسْتَحَقُّ بِهِ الْمِيرَاثُ كَالنَّسَبِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ) ، فَيَرِثُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى مِنَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ، وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنَ الْأَعْلَى فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ مِنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، فَإِنَّهُمَا وَرَّثَا الْأَسْفَلَ مِنَ الْأَعْلَى كَمَا يَرِثُ الْأَعْلَى مِنَ الْأَسْفَلِ اعْتِبَارًا بِالنَّسَبِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ (الْفَرَائِضِ) .

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَالْمِيرَاثُ بِالنَّسَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ، لِأَنَّ النَّسَبَ أَصْلٌ، وَالْوَلَاءَ فَرْعٌ، فَسَقَطَ الْفَرْعُ بِالْأَصْلِ، وَلَمْ يَسْقُطِ الْأَصْلُ بِالْفَرْعِ، فَإِذَا اسْتَوْعَبَ الْعَصَبَاتُ أَوْ ذَوُو الْفُرُوضِ التَّرِكَةَ سَقَطَ الْمِيرَاثُ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ عُدِمَ عَصَبَاتُ النَّسَبِ، وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ ذَوُو الْفُرُوضِ التَّرِكَةَ اسْتَحَقَّ الْمِيرَاثَ، وَقُدِّمَ الْمَوْلَى عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْلَى مِنَ الْمَوْلَى، وَالدَّلِيلُ عَلَى تَقْدِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>