للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحْبَبْتُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُقِيمَ عَلَى تَعْرِيفِهِ (قَالَ المزني) هذا أولى القولين بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يقل للملتقط شأنك بها إلا بعد سنة إلا أن يكون في موضع مهلكة كالشاة فيكون له أكله ويغرمه إذا جاء صاحبه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الطَّعَامُ الرَّطْبُ فَضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَيْبَسُ فَيَبْقَى كَالرُّطَبِ الَّذِي يَصِيرُ خَمْرًا وَالْعِنَبِ الَّذِي يَصِيرُ زَبِيبًا فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِ الطَّعَامِ فِي وُجُوبِ تَعْرِيفِهِ وَاسْتِبْقَائِهِ فَإِنِ احْتَاجَ تَجْفِيفُهُ إِلَى مُؤْنَةٍ كَانَتْ عَلَى مَالِكِهِ وَيَفْعَلُ الْحَاكِمُ أَحَظَّ الْأَمْرَيْنِ لِلْمَالِكِ مِنْ بَيْعِهِ أَوِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَبْقَى كَالطَّعَامِ الَّذِي يَفْسُدُ بِالْإِمْسَاكِ كَالْهَرِيسَةِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ الَّتِي لَا تبقى على الأيام فقد حكى عَنِ الشَّافِعِيِّ هَا هُنَا أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ يَأْكُلُهُ الْوَاجِدُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبِيعَهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُخْرِجُونَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِوَاجِدِهِ أَكْلُهُ كَالشَّاةِ الَّتِي لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِبْقَاؤُهَا أُبِيحَ لِوَاجِدِهَا أَكْلُهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ لِوَاجِدِهِ أَكْلُهُ بِخِلَافِ الشَّاةِ الَّتِي لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا فَأُبِيحَ لَهُ أَكْلُهَا وَالطَّعَامُ وَإِنْ كَانَ رَطْبًا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ فَلَمْ يَسْتَبِحْ وَاجِدُهُ أَكْلُهُ وَحَكَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ إِنْ كَانَ الْحَاكِمُ مَوْجُودًا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَاجِدِهِ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا جَازَ أَكْلُهُ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ اخْتِلَافُ حَالَيْهِ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ وَاجِدِهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا اسْتَبَاحَ أَكْلَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يَسْتَبِحْهُ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ أَكْلِهِ فَأَكَلَهُ صَارَ ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ وَعَلَيْهِ تَعْرِيفُ الطَّعَامِ حَوْلًا وَهَلْ يَلْزَمُهُ عَزْلُ قِيمَتِهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ أَكْلِهِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ عَزْلُ الْقِيمَةِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُتَمَلِّكًا لِلُقَطَةٍ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا قَبْلَ حَوْلِهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَزْلُهَا لِأَنَّهُ لَوْ عَزَلَهَا فَهَلَكَتْ كَانَتْ مِنْ مَالِهِ فَكَانَتْ ذِمَّتُهُ أَحَظَّ لَهَا وَلَمْ يَكُنْ عَزْلُهَا مُفِيدًا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ جَعَلَ فَائِدَةَ عَزْلِهَا لَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ عَزْلِ قِيمَتِهَا ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ كَانَ أَوْلَى بِالْمَعْزُولِ مِنْ قِيمَتِهَا مِنْ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ وَزَعَمَ أَنَّ تَلَفَهَا مِنْ يَدِهِ بَعْدَ وُجُوبِ عَزْلِهَا لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ غُرْمَهَا فَصَارَ فِي ضَمَانِهِ لِلثَّمَنِ إِنْ تَلَفَ بَعْدَ وُجُوبِ عَزْلِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَالثَّانِي وَهُوَ أَشْبَهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعَ وُجُوبِ عَزْلِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ مَعَ بَقَائِهِ.

فَصْلٌ:

وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ الشَّاةِ إِذَا وَجَدَهَا وَأَرَادَ بَيْعَهَا لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى الشَّاةِ أَقْوَى لِمَا اسْتَحَقَّهُ عَاجِلًا مِنْ أَكْلِهَا وَيَدَهُ عَلَى الطَّعَامِ أَضْعَفُ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِهِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ إِذْنُ الْحَاكِمِ جَازَ بَيْعُهُ لَهُ فَلَوْ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ كَانَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>