للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَابَ لَمْ يَزْدَدْ كُفْرًا، وَإِذَا تَنَافَى ظَاهِرُهُمَا صَارَ تَأْوِيلُهَا مَحْمُولًا عَلَى تَقَدُّمِ التَّوْبَةِ عَلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهَا مِنْ زِيَادَةِ الْكُفْرِ، فَيُحْبِطُ حَادِثُ الْكُفْرِ سَابِقَ التَّوْبَةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّهُ بِالتَّوْبَةِ مُظْهِرٌ لِلْإِسْلَامِ مُسْتَبْطِنٌ لِلْكُفْرِ، وَهَكَذَا هُوَ قَبْلَهَا.

فَهُوَ أَنَّنَا مَا كُلِّفْنَا مِنْهُ إِلَّا الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ، وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ مَوْكُولٌ إِلَى رَبِّهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تُحَاسِبُوا الْعَبْدَ حِسَابَ الرَّبِّ) .

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تُؤَثِّرَ التَّوْبَةُ فِي بَاطِنِهِ كَتَأْثِيرِهَا فِي ظَاهِرِهِ.

وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحَارِبِ فَلَا يَصِحُّ، لِافْتِرَاقِهِمَا فِي مَعْنَى الْحُكْمِ، لِأَنَّ الْحِرَابَةَ يُقْتَلُ فِيهَا بِظَاهِرِ فِعْلِهِ، فَلَمْ تُؤَثِّرِ التَّوْبَةُ فِي رَفْعِهِ، وَالرِّدَّةُ يُقْتَلُ فِيهَا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ الدَّالِّ عَلَى مُعْتَقَدِهِ، فَجَازَ أَنْ يَرْفَعَهَا مَا جَانَسَهَا مِنَ الْقَوْلِ فِي تَوْبَتِهِ، وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى زَوَالِ مُعْتَقَدِهِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا اسْتِدْفَاعُ الْقَتْلِ.

فَهُوَ أَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ فِي الْمُرْتَدِّ كَمَا لَا يَمْنَعُ إِسْلَامُ الْحَرْبِيِّ إِذَا قُدِّمَ لِلْقَتْلِ مِنْ قَبُولِ إِسْلَامِهِ وَالْكَفِّ عن قتله والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ امْرَأَةً كَانَتْ أَوْ رَجُلًا عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ يَسْتَوِي فِي الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، وَتُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ كَمَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ.

وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: تُحْبَسُ الْمُرْتَدَّةُ وَلَا تُقْتَلُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً فَلَا تُحْبَسُ عَنْ سَيِّدِهَا. اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ) . فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ.

وَبِمَا رَوَى عَاصِمُ بْنُ أَبِي النُّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

<<  <  ج: ص:  >  >>