أَحَدُهُمَا: مَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ قِصَاصٌ، كَجِنَايَةِ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ، وَالْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ، فَيَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا إِلَّا الْمَالَ، فَصَارَتْ كَالْخَطَأِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ، فَلَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ نَفْسٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِيهِ الدِّيَةَ دُونَ الْقِصَاصِ، كَمَا أَوْجَبْتُمْ فِي السَّرِقَةِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْغُرْمَ، دُونَ الْقَطْعِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ تَابِعٌ لِلْمَالِ، لَا يُثْبِتُ إِلَّا مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ، فَصَارَ الْمَالُ فِيهَا أَصْلًا، وَالْقَطْعُ فَرْعًا.
وَالدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ تَابِعَةٌ لِلْقِصَاصِ، يَكُونُ الْقِصَاصُ فِيهَا أَصْلًا، وَالدِّيَةُ فَرْعًا، فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْغُرْمَ فِي السَّرِقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الدِّيَةَ فِي الْجِنَايَةِ.
فَأَمَّا جِرَاحُ الْعَمْدِ، فَمَا سَقَطَ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْجَائِفَةِ، وَمَا دُونَ الْمُوَضِّحَةِ فَيُسْتَحَقُّ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَمَا وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْمُوضِّحَةِ وَالْأَطْرَافِ لَمْ يُسْتَحَقَّ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَمَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنْقِلَةِ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا إِسْقَاطُ الْحُقُوقِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَرَاءَةٌ مِنْ مَالٍ، وَيَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ.
وَالثَّانِي: عَفْوٌ عَنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ، فَلَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، لِيَكُونَ إِسْقَاطُهُمَا بَعْدَ الْوُجُوبِ مُعْتَبَرًا بِإِيجَابِهِمَا قَبْلَ السُّقُوطِ.
وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، مَا يُوجِبُ رَدَّ شَهَادَتِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ فِي جُرْحِ الشَّاهِدَيْنِ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ فِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَكْذَبُ الشَّاهِدَيْنِ، حُكِمَ فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّ إِكْذَابَ الْمُدَّعِي لِبَيِّنَتِهِ، يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ، وَلَا يُوجِبُ جُرْحَ شُهُودِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ أَتَى قَوْمٌ بِشَاهِدٍ أَنَّ لِأَبِيهِمْ عَلَى فلان حقا أو أن فُلَانًا قَدْ أَوْصَى لَهُمْ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ مَعَ شَاهِدِهِ اسْتَحَقَّ وِرْثَهُ أَوْ وَصِيَّتَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي وَرَثَةِ مَيِّتٍ، ادَّعَوْا أَنَّ لِمَيِّتِهِمْ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ مُنْكِرٍ، أَوِ ادَّعَوْا وَصِيَّةً وَصَّى بِهَا لِمَيِّتِهِمْ، وَأَقَامُوا عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ شَاهِدًا وَاحِدًا، فَلَهُمْ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: