للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالمشرك وعموم الآية مخصص بما تعقبها وقياسه معارض لقياسنا؛ وَلِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ حَاظِرَةٌ وَدَارَ الْمُشْرِكِ مُبِيحَةٌ.

(فَصْلٌ)

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَهُ وَلَا يَعْلَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا دِيَةَ فِيهِ، إِنْ لَمْ يُهَاجِرْ.

وَدَلِيلُنَا: إِنَّ الْيَمَانَ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِدِيَتِهِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ. فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا؛ وَلِأَنَّ جَهْلَ الْقَاتِلِ بِأَحْوَالِ الْمَقْتُولِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ ضَمَانِهِ عَنِ الْقَاتِلِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.

(فَصْلٌ)

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلَا يَعْمِدُ قَتْلَهُ وَيَرْمِي أَهْلَ الدَّارِ بِسَهْمٍ فَاعْتَرَضَ الْمُسْلِمُ السَّهْمَ حَتَّى أَصَابَهُ فَقَتَلَهُ. فَلَا قَوَدَ وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا دِيَةَ فِيهِ اسْتِدْلَالًا بِالْآيَةِ. واعتبار بِالْقِسْمِ الثَّانِي.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِيهِ الدِّيَةُ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ الْيَمَانِ. وَاعْتِبَارًا بِالْقِسْمِ الثَّالِثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا هُوَ الثَّالِثُ مِمَّا بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَجَمَعَ فِي قَتْلِهِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْكَافِرُ ذُو الْمِيثَاقِ بِذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ إِذَا قُتِلَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فَجَمَعَ فِي قَتْلِهِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا جَمَعَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بين الدية الكفارة. وَقَدَّمَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَفَّارَةَ عَلَى الدِّيَةِ وَفِي قَتْلِ الْكَافِرِ الدِّيَةَ عَلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَرَى تَقْدِيمَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ وَالْكَافِرُ يَرَى تَقْدِيمَ حَقِّ نَفْسِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: بَلْ خَالَفَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا عَلَى نسق واحد، لأن لا يَلْحَقُ بِهِمَا، مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ في دار الحرب في قوله: {وإن كان من قوم عدوا لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} فَيَضُمُّ إِلَيْهِ الدِّيَةَ إِلْحَاقًا بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَأَزَالَ هذا الاحتمال بأحد اللفظين.

وسواء كان صحاب هَذَا الْمِيثَاقِ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَوْ مِنْ أَصْحَابِ الْعَهْدِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ إِذَا قُتِلَ فِي دار الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>