للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: وَيُسْتَعْتَبُ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ أَنَّ إِطَالَةَ إِرْسَالِهِ خَطَأٌ مِنْهُ، فَيُعَاتَبُ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ خَطَأَ صَاحَبِهِ فَهُوَ لِإِطَالَةِ إِرْسَالِهِ، فَيُعَاتَبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَؤُهُ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ صَوَابَهُ مَحْسُوبًا له، وبالله التوفيق.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ كَانَ الرَّامِي يُطِيلُ الْكَلَامَ وَالْحَبْسَ قِيلَ لَهُ لَا تُطِلْ وَلَا تَعْجَلْ عَمَّا يُفْهَمُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمُرْمِي، فَهُوَ الْمُؤْتَمَنُ بَيْنَ الْمُتَنَاضِلَيْنِ وَيُسَمَّى الْمُشِيرَ، وَالْمُوَطِّنَ لَا يُشِيرُ عَلَى كل واحد منهما بمقصوده، ويخرج سهمه، وبموطن مَوْقِفَهُ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ سَهْمَهُ بَعْدَ رَمْيِهِ، وَيُخْبِرُ بِصَوَابِهِ أَوْ خَطَئِهِ، وَعَلَى هَذَا أَنْ يَعْدِلَ بين المتناضلين، ولا يميل إلى أحدهما، فيجوز، وَلَا يَمْدَحَ أَحَدَهُمَا وَيَذُمَّ الْآخَرَ، وَلْيَكُنْ إِمَّا مَادِحًا لَهُمَا أَوْ سَاكِتًا عَنْهُمَا، وَلِيُعَجِّلْ رَدَّ سهم كل واحد منهما عليه، ولا يحسبه عَنْهُ، فَيَنْسَى حُسْنَ صَنِيعِهِ، فَإِنْ خَالَفَ بِالْمَيْلِ، عَلَى أَحَدِهِمَا، مُنِعَ لِإِضْرَارِهِ بِهِ، وَإِنْ سَاوَى بَيْنَهُمَا فِي إِكْثَارِ الْكَلَامِ، وَإِطَالَتِهِ، وَحَبْسِ السَّهْمِ فِي إِعَادَتِهِ صَارَ مُضِرًّا بِهِمَا، وَتَوَجَّهَ الْمَنْعُ إِلَيْهِ فِي حَقِّهِمَا بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا، وَأُمِرَ بِإِقْلَالِ الْكَلَامِ، وَتَعْجِيلِ السِّهَامِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ كَلَامِهِ مُدْهِشٌ، وَحَبْسَهُ لِلسِّهَامِ يُنْسِي حُسْنَ صَنِيعِهَا فَإِنْ كَفَّ وَإِلَّا اسْتُبْدِلَ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَتَرَاضَيَانِهِ بِهِ الْمُتَنَاضِلَانِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا، اخْتَارَ الْحَاكِمُ لَهُمَا مُؤْتَمَنًا، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْكَلَامُ مِنْ أَحَدِ الْمُتَنَاضِلَيْنِ مَدْحًا لِنَفْسِهِ بِالْإِصَابَةِ، وَذَمًّا لِصَاحِبِهِ بِالْخَطَأِ كُفَّ وَمُنِعَ، فَإِنْ أَقَامَ عليه، ولم يقلع عنه غرر، وَلَمْ يُسْتَبْدَلْ بِهِ لِتَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُ فِيهِ مَقَامَهُ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي: " وَلِلْمُبْدِئِ أَنْ يَقِفَ فِي أَيِّ مقامٍ شَاءَ ثَمَّ لِلْآخَرِ مِنَ الْغَرَضِ الْآخَرِ أَيِّ مَقَامٍ شَاءَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُرِيدُ بِالْمُبْدِئِ الَّذِي قَدِ اسْتَحَقَّ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالرَّمْيِ، إِمَّا بِالشَّرْطِ أَوْ بِقُرْعَةٍ، فَإِذَا كَانَ الرَّمْيُ بَيْنَ هَدَفَيْنِ، وَهُوَ الْمَسْنُونُ وَالْأَوْلَى بِالْمَعْهُودِ أَنْ يَرْمِيَ الْمُتَنَاضِلَانِ مِنْ أَحَدِ الْهَدَفَيْنِ إِلَى الْآخَرِ، رِشْقًا بِحَسْبِ مَا اسْتَقَرَّ بَيْنَهُمَا، مِنْ خَمْسٍ خَمْسٍ أَوْ عَشْرٍ عَشْرٍ، ثُمَّ يَمْضِيَا إِلَى الْهَدَفِ فَيَجْمَعَا سِهَامَهَا وَيَرْمِيَا مِنْهُ إِلَى الْهَدَفِ الثَّانِي رِشْقًا ثَالِثًا كَذَلِكَ أَبَدًا حَتَّى يَسْتَكْمِلَا رَمْيَ جَمِيعِ أَرْشَاقِهِمَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلِلْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَيِّ الْهَدَفَيْنِ شَاءَ، وَيَقِفَ مِنْهُ أَيَّ مَوْقِفٍ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ الِابْتِدَاءَ بِالرَّمْيِ اسْتَحَقَّ الْخِيَارَ فِي مَوْقِفِ الرَّمْيِ، فَيَقِفُ حَيْثُ شَاءَ مِنَ الْهَدَفِ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ وَسَطِهِ، فَإِذَا صَارَ إِلَى الْهَدَفِ الثَّانِي، صَارَ الْخِيَارُ فِي الْمَوْقِفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>