للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْدَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُمْ إِلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وأخذ فداء الأسرى (ليتقوا بِهِ الْمُسْلِمُونَ) فَقِيلَ إِنَّهُ فَدَى كُلَّ أَسِيرٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقِيلَ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ لِلْمُهَاجِرِينَ: أَنْتُمْ عَالَةٌ يَعْنِي فُقَرَاءَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنْكَارًا عَلَى نَبِيِّهِ فِي فِدَاءِ أُولَئِكَ الْأَسْرَى، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَوْ عُذِّبْنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ يَا عُمَرُ ما نجا غيرك في إنكار هذا الفداء فكان دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْفِدَاءِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] وَهُوَ كَثْرَةُ الْقَتْلِ فَاقْتَضَى إِبَاحَةَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِثْخَانِ فِي الْأَرْضِ وَقَدْ أَثْخَنَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْأَرْضِ وَكَثْرَةِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ.

وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: ٦٨] وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ فِي أَنَّهُ سَيُحِلُّ لَكُمُ الْغَنَائِمَ لَمَسَّكُمْ فِي تَعَجُّلِهَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ عذاب عظيم (قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن وعبيدة) .

وَالثَّانِي: لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ فِي أَهْلِ بَدْرٍ أنْ يُعَذِّبَهُمْ لَمَسَّهُمْ فِيمَا أَخَذُوا من فداء أسرى بدر عذاب عظيم (قاله مجاهد وسعيد بن جبير) .

وَالثَّالِثُ: قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: ٦٩] يَعْنِي بِهِ مَالَ الْغَنِيمَةِ وَالْفِدَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {اقتلوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] فَهُوَ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ بعد حظر، وإذا أَبَاحَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْقَتْلَ لَمْ تَمْنَعْ مِنْ جوز الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَحْرِيمِ الْمَنِّ عليهم لسلاحهم وعبدهم؛ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ السِّلَاحَ وَالْعَبِيدَ وَالْمَالَ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إِتْلَافُهُ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ المن به، وليس الرجال الأحرار مال لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إِتْلَافُهُمْ فَجَازَ لَهُ الْمَنُّ بِهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ السِّلَاحَ وَالْعَبِيدَ قَدْ دَخَلَا فِي مِلْكِ الْغَانِمِينَ فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ فِي الْمَنِّ بِهِمَا اجْتِهَادٌ. وَلَمْ يَدْخُلِ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ فِي مِلْكِ الْغَانِمِينَ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِمَامِ فِي الْمَنِّ عَلَيْهِمُ اجْتِهَادٌ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فَهُوَ أَنَّنَا نُجَوِّزُهُ مَعَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فيمن يرجئ إِسْلَامُهُ أَوْ تَآلُفُ قَوْمِهِ وَيُمْنَعُ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ وَظُهُورِ الضَّرَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ خُمُسَ مَا حُصِّلَ بَعْدَ مَا وَصَفْنَا كَامِلًا وَيُقِرَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِأَهْلِهَا ثُمَّ يَحْسِبَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ مِنَ الرجال

<<  <  ج: ص:  >  >>