للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاقَهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي أَظَلَّهَا الْعَدُوُّ، وَكَانَ فَرْضُهُ عَلَى غَيْرِهِمْ بَاقِيًا عَلَى الْكِفَايَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَطْلُبَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ الْمُشْرِكِينَ لِيُقَاتِلُوهُمْ عَلَى الدِّينِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ إِنْ لَمْ يُسْلِمُوا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الْجِهَادَ لِنُصْرَةِ دِينِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويكون الدين كله لله} [البقرة: ١٩٣] . وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْجِهَادِ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْكِفَايَةِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَعَيَّنَ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَكَافَّةُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتَصِرُوا فِي الْجِهَادِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ حَتَّى يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا فَيَذُبُّوا عَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَيُقَاتِلُوا عَلَى بِلَادِ الشِّرْكِ، فإن وقع الاقتصار على أحدهما: حرج أَهْلُ الْجِهَادِ لِإِخْلَالِهِمْ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةُ مَا إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَفَرْضُ الْأَعْيَانِ مَا لَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ إِلَّا عَنْ فَاعِلِهِ وَالْكِفَايَةُ فِي الْجِهَادِ تَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ وَيَقُومَ فِيهِ بِحَقِّهِ فَيَسْقُطَ فَرْضُهُ عَنِ الْكَافَّةِ لِمُبَاشَرَةِ الْإِمَامِ لَهُ بِأَعْوَانِهِ

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ ثُغُورُ الْمُسْلِمِينَ مَشْحُونَةً مِنَ الْمُقَاتِلَةِ بِمَنْ يَذُبُّ عَنْهَا وَيُقَاتِلُ مَنْ يَتَّصِلُ بِهَا فَيَسْقُطَ بِهِمْ فَرْضُ الْجِهَادِ عَمَّنْ خَلْفَهُمْ، فَإِنْ ضَعُفُوا وَاسْتَنْفَرُوا وَجَبَ عَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَمُدُّوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِمَنْ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّهُمْ، وَيَصِيرُ جَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ إِمْدَادِهِمْ دَاخِلًا فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ حَتَّى يَمُدُّوهُمْ بِأَهْلِ الْكِفَايَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَؤُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَتِهِمْ أَدْنَاهُمْ " وَفِي تَسْمِيَتِهِ جِهَادًا تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُ يَجْهَدُ فِي قَهْرِ عَدُوِّهِ

وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ يَبْذُلُ فِيهِ جَهْدَ نَفْسِهِ.

رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ رَجَعَ مِنْ بَعْضِ غَزَوَاتِهِ: " رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ " يعني: جهاد النفس.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ لَمْ يُفْرَضِ الْجِهَادُ عَلَى مُمْلِوكٍ وَلَا أُنْثَى وَلَا عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله} فَحَكَمَ أَنْ لَا مَالَ لِلْمُلُوكِ وَقَالَ {حَرِّضِ المؤمنين على القتال} فدل على أنهم الذكور وعرض ابن عمر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فرده وعرض عليه عام الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه وحضر مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في غزوة عبيد ونساء غير بالغين فرضخ لهم وأسهم لضعفاء أحرار وجرحى

<<  <  ج: ص:  >  >>