للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَكَذَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِدَيْنٍ عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مَيِّتٍ، جَازَ إِحْلَافُ الْمَشْهُودِ لَهُ، أَنَّهُ ما برىء إِلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ وَلَا مِنْ شَيْءٍ فِيهِ، لِأَنَّ الْغَائِبَ وَالْمَيِّتَ لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ لَجَازَ. أَنْ يَدَّعِيَا قَضَاءَ الدَّيْنِ، أَوِ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ، فَلَزِمَ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ أَنْ يَحْلِفَ الْمَشْهُودُ لَهُ على مثل لَوِ ادَّعَاهُ الْحَاضِرُ أُحْلِفَ لَهُ، فَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ مِنْ مَالٍ نَاجِزٍ أُحْلِفَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي قَضَائِهِ، ثُمَّ قَضَى بَعْدَ يَمِينِهِ.

وَإِنْ كَانَ نَقْضًا مِنْ بَيْعِ عَقَارٍ، أُحْلِفَ قَبْلَ بَيْعِهِ ثُمَّ بِيعَ وَقُضِيَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ قَبْلَ يَمِينِهِ لِأَنَّه قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَنْكُلَ عَنِ الْيَمِينِ، فَيَفُوتُ اسْتِدْرَاكَ الْمَبِيعِ فَأَمَّا إِحْلَافُ الشُّهُودِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ، فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَحُكِيَ عَنِ الْهَادِي الْعَلَوِيِّ إِنَّهُ بِالْيَمِينِ كَأَنْ يَحْلِفَ الشُّهُودُ إِذَا ارْتَابَ بِهِمْ، ثُمَّ يَحْكُمُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَهَذَا قَوْلٌ خَرَقَ بِهِ الْإِجْمَاعَ وَخَالَفَ بِهِ الْأُمَّةَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] فَأَمَرَ بِالْحُكْمِ بِهَا، وَلَمْ يُوجِبِ الْيَمِينَ مَعَهَا.

وَلِأَنَّهمْ إِذَا كَانُوا صَادِقِينَ، وَجَبَ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ، مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانُوا كَاذِبِينَ لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِهَا مَعَ الْيَمِينِ.

وَلِأَنَّه لَوْ جَازَ إِحْلَافُ الشُّهُودِ مَعَ الِارْتِيَابِ لَجَازَ إِحْلَافُ الْحُكَّامِ، ثُمَّ إِحْلَافُ الْأَئِمَّةِ، ثُمَّ إِحْلَافُ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ مَا أَدَّوْهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ وَمَا أَفْضَى إلى هذا كان مطرحا.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً لَمْ أَقْبَلْ دَعْوَاهُ حَتَّى يَقُولَ نَكَحْتُهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ أَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةَ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَهَا، وَيَسْأَلُ الْخَصْمَ عَنْهَا إِلَّا فِي الْوَصَايَا لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَجْهُولِ، فَأَمَّا غَيْرُ الْوَصَايَا الَّتِي تَمْنَعُ الْجَهَالَةُ مِنْهَا، فَلَا يَصِحُّ ادِّعَاؤُهُ مَجْهُولًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمُدَّعِي مَا يَمْنَعُ مِنْ جَهَالَةِ الدَّعْوَى، لِأَنَّ سَمَاعَ الدَّعْوَى يَكُونُ لِلسُّؤَالِ عَنْهَا، وَالْحُكْمَ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنَّ يَحْكُمَ بِمَجْهُولٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْمَعَ الدَّعْوَى بِمَجْهُولٍ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلًا، وَكَانَتِ الدَّعْوَى مَعْلُومَةٌ تَعَلَّقَ الْكَلَامُ بِالْكَشْفِ عَنْ سَبَبِهَا، وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

قِسْمٌ لَا يُجِبِ الْكَشْفُ عَنْ سَبَبِهِ.

وَقِسْمٌ يَجِبُ الْكَشْفُ عَنْ سببه.

<<  <  ج: ص:  >  >>