(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي الْمُوجِبِ لِاسْتِعْمَالِ الْقَافَةِ، فَالتَّنَازُعُ فِي الْوَلَدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ لَقِيطٍ لَا يُعْرَفُ لِلْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهِ فَرَاشٌ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْوَلَدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا بَالِغًا عَاقِلًا تَوَجَّهَتِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَكَانَ الْجَوَابُ مَأْخُوذًا مِنْهُ. فَإِنْ صَدَّقَ أَحَدَهُمَا، وَكَذَّبَ الْآخَرَ، لَحِقَ بِالْمُصَدِّقِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِلْمُكَذَّبِ، لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَلَمْ يُغْرَمْ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا حَلَفَ لَهُمَا، وَلَمْ يحلق بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ قَبْلَ التَّكْذِيبِ قُبِلَ إِقْرَارُهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا ابْنُ وَاحِدٍ مِنْكُمَا وَلَسْتُ أَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ، رُجِعَ إِلَى الْقَافَةِ فِي إِلْحَاقِهِ، بِأَحَدِهِمَا فَإِنْ عُدِمُوا أُخِذَ الْوَلَدُ جَبْرًا بِالِانْتِسَابِ إِلَى أَحَدِهِمَا غَيْبًا، فَإِنْ سَلَّمَهُ أَحَدُ الْمُتَنَازِعَيْنِ إِلَى الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَافَةِ وَالِانْتِسَابِ، جَازَ وَصَارَ وَلَدًا لِمَنْ سُلِّمَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِنَسَبِهِ، إِمَّا بَعْدَ الْقَافَةِ، أَوْ بَعْدَ الِانْتِسَابِ لَمْ يَجُزْ.
وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ، أَوْ كَانَ بَالِغًا مَجْنُونًا، اسْتُعْمِلَ فِيهِ القَافَةُ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ إِقْرَارٌ وَلَا فِرَاشٌ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ وَإِنْ عُدِمُوا أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ، وُقِفَ إِلَى زَمَانِ الِانْتِسَابِ فَإِنْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ، كَانَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِهِ قَبْلَ إِلْحَاقِهِ، وَبُطْلَانِهِ بَعْدَ إِلْحَاقِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ عَنْ فِرَاشٍ وَقَعَ فِيهِ التَّنَازُعُ، فَاسْتِعْمَالُ الْقِيَافَةِ فِيهِ مُعْتَبَرٌ، بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْفِرَاشُ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهِ، فَإِنْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا، كَانَ وَلَدًا لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ مِنْ غَيْرِ قِيَافَةٍ، وَإِنْ كَانَ شَبَهُهُ بِغَيْرِ صَاحِبِ الْفِرَاشِ أَقْوَى.
فَلَوْ أَنَّ زَوْجًا شَكَّ فِي وَلَدِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهِ الْقَافَةُ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْقَافَةَ لَا تَنْفِي مَا لَحِقَ بِالْفِرَاشِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْفِرَاشِ مُوجِبًا لِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَوِ انْفَرَدَ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلْحَقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ، لِأَنَّهُمَا زَانِيَانِ بَطَلَتْ دَعْوَاهُمَا فِيهِ، وَلَمْ يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا زَانٍ، وَالْآخِرَ لَيْسَ بِزَانٍ، بَطَلَ تَنَازُعُهُمَا، وَلَمْ تُسْتَعْمَلِ الْقَافَةُ فِيهِ، وَكَانَ لَاحِقًا بِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، دُونَ الزَّانِي لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ".
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَثْبُتَ فِرَاشُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَثُبُوتُهُ، مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْمُتَنَازِعَيْنِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجًا، وَالْآخَرُ ذَا شُبْهَةٍ، ثَبَتَ فِرَاشُ ذِي الشُّبْهَةِ، بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ تَصْدِيقُ الْمَوْطُوءَةِ، لِأَنَّ الْفِرَاشَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute