للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الماوردي: وهذا كما قال:

المال الغائب عن مالكه حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا فِي بَلَدٍ مَعَ وَكِيلٍ أَوْ نَائِبٍ، فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ عن حَوْلِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ بِبَلَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سَائِرٌ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ وَلَا تُعْلَمُ سَلَامَتُهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ غَائِبٌ لَزِمَتْهُ زَكَاةُ فِطْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَكَانِهِ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِطْرَةَ الْعَبْدِ في ذمة سيده من غير جنسه فلزمه إِخْرَاجُهَا مَعَ غَيْبَتِهِ وَزَكَاةُ الْمَالِ فِي عَيْنِهِ أو من جنسه فلم يلزم إخراجها مع غيبته ولو كان في فطرة العبد ترتيب يذكر فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ إِخْرَاجَهَا لَا يَلْزَمُهُ فَتَطَوَّعَ بِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُ نِيَّتِهِ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا، فَنَبْدَأُ بِمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ ثُمَّ نُعْقِبُهُ بِفُرُوعِهِ، نَقَلَ الْمُزَنِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يُخْرِجَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَيَقُولَ إِنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ (سَالِمًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ أَوْ نَافِلَةٌ فَكَانَ) سَالِمًا لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ أَشْرَكَ فِي نِيَّتِهِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَمِنْ شَرْطِ الزَّكَاةِ إِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلْفَرْضِ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إِنْ كَانَ سَالِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَنَافِلَةٌ، فَكَانَ مَالُهُ سَالِمًا أَجْزَأَهُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَخْلَصَ النِّيَّةَ مَعَ سَلَامَةِ الْمَالِ، وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا بنية الفرض أو أطلق من غير شرط وقال هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ كَانَ مُوجَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إِنْ كَانَ سَالِمًا، وَإِذَا كَانَ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ مُوجِبِهِ كَانَ ذكره تأكيداً أو لم يَكُنْ مُؤَثِّرًا فِي الْإِجْزَاءِ.

فَصْلٌ

: إِذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ غَائِبَةً وَمِائَتَا دِرْهَمٍ حَاضِرَةً، فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ: هَذِهِ عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إِنْ كَانَ سَالِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَعَنْ مَالِي الْحَاضِرِ كَانَ كَمَا نَوَى، وَكَانَ عَنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ عَلَى مَا شَرَطَ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ الْغَائِبُ سَالِمًا كَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا كَانَتْ عَنِ الْحَاضِرِ، وَكَذَا أَيْضًا لَوْ قَالَ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إِنْ كَانَ سَالِمًا أَوْ عَنِ الْحَاضِرِ أَجْزَأَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قد أخلص نية الفرض، وإلا جعل

<<  <  ج: ص:  >  >>