قِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ عَبِيدَهُمْ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْأَمَانُ ضَرْبَانِ: عَامٌّ وَخَاصٌّ.
فَأَمَّا الْعَامُّ: فَهُوَ الْهُدْنَةُ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّاهَا إِلَّا الْإِمَامُ دُونَ غَيْرِهِ، لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ، فَإِنْ تَوَلَّاهَا غَيْرُهُ، لَمْ يَلْزَمْ. وَإِذَا اخْتُصَّتْ بِالْإِمَامِ، كَانَ إِمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ أَحَقَّ بِعَقْدِهَا مِنْ إِمَامِ أَهْلِ الْبَغْيِ.
فَإِنْ عَقَدَهَا إِمَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ بَطَلَتْ، كَمَا تَبْطُلُ بِعَقْدِ غَيْرِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ إِمَامَةَ الْبَاغِي لَا تَنْعَقِدُ. وَأَمَّا الْأَمَانُ الْخَاصُّ: فَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ لِكُلِّ مُشْرِكٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَمَانُ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، مِنْ حرٍّ كَانَ أَوْ مِنْ عَبْدٍ، مِنْ عَادَلٍ أَوْ بَاغٍ فَيَكُونُ أَمَانُ الْبَاغِي لَازِمًا لِأَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ، وَأَمَانُ الْعَادِلِ لَازِمًا لِأَهْلِ الْعَدْلِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ.
فَإِنْ أَمنَ أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ أَهْلُ الْعَدْلِ حَتَّى سَبَوْهُمْ وَغَنِمُوهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا سَبْيَهُمْ وَغَنَائِمَهُمْ، وَلَزِمَهُمْ رَدُّ السَّبْيِ وَالْغَنَائِمِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَّنَهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ وَسَبَاهُمْ وَغَنِمَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ، حَرُمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَمَلَّكُوهُمْ، وَحَرُمَ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَبْتَاعُوهُمْ.
وَعَلَى إِمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ مِنْهُمْ وَيَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وَهَكَذَا لَوْ أَمَّنَ أَهْلُ الْبَغْيِ قَوْمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ غَدَرُوا بِهِمْ فَسَبَوْهُمْ وَغَنِمُوهُمْ، لَمْ يَحِلَّ ابْتِيَاعُ السَّبْيِ وَالْغَنَائِمِ مِنْهُمْ، وَلَزِمَ أَهْلَ الْعَدْلِ رَدُّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعَدْلِ وَأَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، قُسِّمَ سَبْيُهُمْ وَغَنَائِمُهُمْ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجْمَعُهُمْ وَإِنْ جَرَى الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ.
وَيَنْفَرِدُ إِمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ بِقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ بَيْنَهُمْ، وَيَخْتَصُّ بِإِجَازَةِ الْخُمْسِ إِلَيْهِ لِيَنْفَرِدَ بِوَضْعِهِ فِي مُسْتَحِقِّيهِ لِصِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وَبُطْلَانِ إِمَامَةِ غَيْرِهِ. وبالله التوفيق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute