الْكَفَّارَاتِ فِي مَالِهِ، يَسْتَوِي فِيهِ الْحُكْمُ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ الْخَرْقِ فِي صِغَرِهِ وَكِبَرِهِ.
وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ مِنْهُ عَمْدَ الْخَطَأِ فَهُوَ أَنْ يَعْمِدَ فَتْحَهَا لِعَمَلِ عَيْبٍ فِيهَا فَتَغْرَقُ، أَوْ يُدَقُّ فِيهَا مِسْمَارٌ فَيَنْشَقُّ اللَّوْحُ وَتَغْرَقُ، فَتَكُونُ دِيَاتُ النُّفُوسِ مُغَلَّظَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ مَعَ الْكَفَّارَاتِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ دَقَّ جَانِبًا مِنْهَا لِعَمَلٍ فَانْفَتَحَ الْجَانِبُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدِهِ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ إِلَى سَابِحٍ لِيُعَلِّمَهُ السِّبَاحَةَ فَغَرِقَ فَلِلْوَلَدِ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا غَيْرَ بَالِغٍ، فَتَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّابِحِ مُغَلَّظَةً كَالْمُعَلِّمِ إِذَا ضَرَبَ صَبِيًّا فَمَاتَ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحُطَّهُ فِي الْمَاءِ عَلَى شَرْطِ السَّلَامَةِ، فَإِذَا أَفْضَى إِلَى التَّلَفِ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى تَقْصِيرِهِ فَضَمِنَ، كَمَا يَكُونُ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصَّبِيِّ لِلتَّأْدِيبِ عَلَى شَرْطِ السَّلَامَةِ فَإِذَا أَفْضَى إِلَى التَّلَفِ صَارَ مَنْسُوبًا إِلَى التَّعَدِّي فَضَمِنَ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ بَالِغًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّابِحِ، لِأَنَّ حِفْظَهُ فِي الْمَاءِ إِذَا كَانَ بَالِغًا وَتَجَنُّبَهُ فِيهِ مِنَ الْغَرَقِ مُتَوَجَّهٌ إِلَيْهِ لَا إِلَى السَّابِحِ، فَصَارَ التَّفْرِيطُ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ دِيَتَهُ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا رَبَطَ رَجُلٌ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ وَأَلْقَاهُ عَلَى سَاحِلِ بَحْرٍ فَزَادَ الْمَاءُ فَغَرَّقَهُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ زِيَادَةُ الْمَاءِ مَأْلُوفَةً فِي أَوْقَاتٍ رَاتِبَةٍ كَالْمَدِّ وَالْجَزْرِ بِالْبَصْرَةِ، فَهَذَا قَاتِلٌ عَمْدًا وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لأنه فاسد لِتَغْرِيقِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مَأْلُوفَةٍ فَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِ الْمَاءِ أَنْ يَزِيدَ وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَزِيدَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَمْدَ الْخَطَأِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِ مُغَلَّظَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِ الْمَاءِ أَنْ لَا يَزِيدَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَزِيدَ، فَيَكُونُ هَذَا خَطَأً مَحْضًا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ.
وَلَوْ رَبَطَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَأَلْقَاهُ فِي صَحْرَاءَ فَأَكَلَهُ السَّبُعُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُتْلِفَ غَيْرُهُ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتِ الصَّحْرَاءُ مَسْبَعَةً فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَسْبَعَةٍ فَهُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا تَجَارَحَ رَجُلَانِ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ جَرَحَ صَاحِبَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إِنْكَارِ الطَّلَبِ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ يَمِينِ الطَّلَبِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَلَا قَوَدَ وَلَا أَرْشَ والله أعلم.