للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا جورعلى ذمة فِعْلِهِ قَالُوا وَلِأَنَّ تَفْضِيلَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ يُؤَدِّي إِلَى عُقُوقِ بَاقِيهِمْ وَمَا نُصِبَ عَلَى الْعُقُوقِ فَهُوَ عُقُوقٌ، وَالْعُقُوقُ حَرَامٌ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَأَرْجِعْهُ " فَلَوْلَا تَعُودُ الْهِبَةُ لَمَا أَمَرَهُ بِالِاسْتِرْجَاعِ ثُمَّ قَوْلُهُ: " أَشْهِدْ غَيْرِي " دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ وَإِنَّمَا أَمْرُهُ بِإِشْهَادِ غَيْرِهِ اسْتِئْنَافًا، وَهَذَا جَوَابٌ وَدَلِيلُ قَوْلِهِ هَذَا جَوَابٌ أَيْ مَيْلٌ يُقَالُ فَجَازَ السَّهْمُ إِذَا مَالَ عَنِ الرَّمْيَةِ فَقَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَالَ إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَصَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بنحل عِشْرِينَ وُسْقًا مِنْ تمرٍ وَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّكِ قَدْ قَبَضْتِهِ وَهُوَ الْيَوْمُ مِنْ مَالِ الْوَارِثِ وَفَضَّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاصِمًا بِنَخْلٍ وَخَصَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَلَدَ أُمِّ كُلْثُومٍ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَجْمَعَ جَمِيعَهُمْ جَازَ أَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَهُمْ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِجَمِيعِهِمْ كَالْأَجَانِبِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ هِبَةُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ لِلْأَبِ جَازَتْ هِبَةُ الأب لبعض الأولاد.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوِ اتَّصَلَ حَدِيثُ طَاوُسٍ " لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أن يرجع فيما وهب إلا والدٍ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ " لَقُلْتُ بِهِ وَلَمْ أُرِدْ واهباً غيره وهب ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَالْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ، وَلَيْسَ لِوَاهِبٍ أَقْبَضَ مَا وَهَبَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا فَيَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ، فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ ذَا رَحِمٍ، وَقَالَ أبو حنيفة: رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لَهُ وَإِنْ وَهَبَ لِذِي غَيْرِ رَحِمٍ جَازَ الرُّجُوعُ، فَأَمَّا أبو حنيفة فَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: جَوَازُ رُجُوعِ الْأَبِ فِي هِبَتِهِ وأبو حنيفة يَمْنَعُ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: مَنْعُ الْأَجْنَبِيِّ من الرجوع في هبته، وأبو حنيفة فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ جَوَازُ رُجُوعِ الْأَبِ فِي هِبَتِهِ فَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة عَلَى الْمَنْعِ مِنْ رُجُوعِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَحِلُّ مَالُ امرئٍ مسلمٍ إِلَّا بِطِيبِ نفسٍ مِنْهُ " فَكَانَ عُمُومُ هَذَا يَمْنَعُ مِنْ رُجُوعِهِ فِيمَا مَلَكَ الِابْنُ عَنْهُ، وَبِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِيهِ " وَبِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَهَبَ لِذِي رحمٍ لَمْ يَرْجِعْ وَمَنْ وَهَبَ لَغَيْرِ ذي رحمٍ رجع ما لم يبيت قَالَ: وَلِأَنَّ الْهِبَةَ لِذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا ثَوَابُ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>