جَزَاءَ فِيهِ بِحَالٍ، وَجَعَلَا مِلْكَهُ وَاسْتِئْنَاسَهُ مُخْرِجًا لَهُ مِنْ حُكْمِ الصَّيْدِ الْوَحْشِيِّ إِلَى حُكْمِ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ اسْتِدْلَالًا بِشَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَمْلُوكٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ فِي قَتْلِهِ الْجَزَاءُ، كَالنَّعَمِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.
وَالثَّانِي: أَنْ قَالُوا: الْجَزَاءُ بَدَلٌ وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ، وَلَا يُجْمَعُ بَدَلَانِ فِي مُتْلَفٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا وَجَبَتِ الْقِيمَةُ سَقَطَ الْجَزَاءُ، وَدَلِيلُنَا: قَوْله تَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلَ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) {المائدة: ٩٥) فَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ فِي جِنْسِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَدْخُلَانِ لِلْجِنْسِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا يَعُمُّ المملوك وغير المملوك، ولأن حَيَوَانٌ مُنِعَ مِنْ قَتْلِهِ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ، كَالصَّيْدِ الَّذِي لم يملك، ولأنه حق الله يَجِبُ فِي قَتْلِ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ فِي قَتْلِ حَيَوَانٍ مَمْلُوكٍ كَالرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ بِالِاسْتِئْنَاسِ عَنْ حُكْمِ الصَّيْدِ إِلَى حُكْمِ الْإِنْسِيِّ حَتَّى لَا يَجِبَ فِي قَتْلِهِ الْجَزَاءُ لَوَجَبَ أَنْ يصير كالإنس فِي جَوَازِ الْأُضْحِيَةِ بِهِ، وَلَوَجَبَ إِذَا تَوَحَّشَ الْإِنْسِيُّ مِنَ النَّعَمِ أَنْ يَصِيرَ فِي حُكْمِ الصَّيْدِ، فَيَجِبَ فِي قَتْلِهِ الْجَزَاءُ، وَلَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَةُ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِنْسِيُّ إِذَا تَوَحَّشَ عَلَى حُكْمِ أَصْلِهِ، وَالْوَحْشُ إِذَا تَأَنَّسَ أَنْ لَا تَجُوزَ الْأُضْحِيَةُ بِهِ عَلَى حُكْمِ أَصْلِهِ؛ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي إِيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَى حُكْمِ أَصْلِهِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى النَّعَمِ فَالْمَعْنَى فِي النَّعَمِ: أَنَّ الْجَزَاءَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّيْدُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ بَدَلَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مبدلٍ وَاحِدٍ، فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مبدلٍ وَاحِدٍ وإذا اتَّفَقَا فَأَمَّا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا، فَيَجُوزُ اتِّفَاقُهُمَا كَمَا تَجْتَمِعُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ وَالْقِيمَةَ، فَالْجَزَاءُ لِلْمَسَاكِينِ كَامِلٌ، فَأَمَّا الْقِيمَةُ فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ مَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ مِنَ الصَّيْدِ مَيْتَةٌ؛ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ، وَالْمَالِكُ أَحَقُّ بِجِلْدِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ مَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ مَأْكُولٌ؛ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالذَّبْحِ، فَيُقَوَّمُ حَيًّا، فَإِذَا قِيلَ: بِعَشَرَةٍ قُوِّمَ مَذْبُوحًا، فَإِذَا قِيلَ بِثَمَانِيَةٍ كَانَ النَّاقِصُ مِنْ قِيمَتِهِ بِالذَّبْحِ دِرْهَمَيْنِ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ لَا غَيْرَ.
: فَأَمَّا إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ صَيْدًا مَمْلُوكًا فِي الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُحِلًّا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ، وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ حُرْمَةُ الْحَرَمِ، لِأَنَّهُ قَدْ أُدْخِلَ فِي الْحِلِّ، وَلَا حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّ الْقَاتِلَ مُحِلٌّ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْجَزَاءُ وَوَجَبَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ، فَإِنْ ذَبَحَهُ فَهُوَ مَأْكُولٌ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ، وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ عَلَى مَا مضى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute