للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: وهو المقدم فِيهَا قَتْلُ الْمُؤْمِنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَوْجَبَ فِيهِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إلا أن يصدقوا} وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَاهُ.

وَالثَّانِي: قَتْلُ الْمُؤْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَلَمْ يُوجِبْ فِيهِ الدِّيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَمَعْنَاهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أَعْدَائِكُمْ مُؤْمِنٌ قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَهُمْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ تَلْزَمُكُمْ فِي قَتْلِهِ.

وَلَا يَخْلُو حَالُ قَتْلِهِ فِيهِمْ مِنْ أربعة أقسام:

أحدها: أنه يعلم قاتله أن مُسْلِمٌ وَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنَعَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ مَا فِيهَا وَأَبَاحَتْ دَارُ الشِّرْكِ مَا فِيهَا} وَلِأَنَّهُ مَقْتُولٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ فِيهِ قَوَدٌ كَأَهْلِ الْحَرْبِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِ مَالَهُ وَدَمَهُ وَأَنْ لَا يَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا) وَلِأَنَّهُ عَامِدٌ لِقَتْلِ مُسْلِمٍ مَحْقُونِ الدَّمِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْقَوَدُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ دَارَ الشِّرْكِ لَمْ تُبِحْ دَمَهُ وَأَبَاحَتْ دَمَ الْمُشْرِكِ.

(فَصْلٌ)

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَعْلَمَ قَاتِلُهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَلَا يَعْمِدُ قَتْلَهُ وَلَكِنْ يَرْمِي إِلَى دَارِ الْحَرْبِ سَهْمًا مُرْسَلًا فَيَقَعُ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ فَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ، وَفِي قَتْلِهِ الْكَفَّارَةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ. فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ هَاجَرَ إِلَيْهَا وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فِيهَا وَلَا هَاجَرَ إِلَيْهَا، لَمْ تَجِبْ فِيهِ الدِّيَةُ، لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الدَّارِ عَلَى الْمُهَاجِرِ وَعَدَمِهَا فِي غَيْرِ الْمُهَاجِرِ وَاسْتَدَلَّا فِي الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ودية مسلمة إلى أهله} فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ وَلِأَنَّهُ مَقْتُولٌ مُسْلِمٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالدِّيَةِ كَالْمَقْتُولِ فِي دَارِ الإسلام،

وَدَلِيلُنَا: قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] ، فَكَانَ الدَّلِيلُ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: اقْتِصَارُهُ عَلَى الْكَفَّارَةِ وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ لَذَكَرَهَا.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ غَايَرَ بَيْنَ قَتْلِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الشِّرْكِ، وَلَوْ تَسَاوَيَا لِأَطْلَقَ وَلَمْ يُغَايِرْ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهَا دَارُ إِبَاحَةٍ لَمْ يَعْمِدْ فِيهَا قَتْلَ مُسْلِمٍ. فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْقَتْلِ دِيَةً كَمَا لَوْ قُتِلَ غَيْرُ مُسْلِمٍ؛ وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَضْمَنْ دِيَتَهُ إِذَا لَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يُضْمَنْ، وَإِنْ هَاجَرَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>