اجْتِمَاعُ كُلِّ الْوُجُوهِ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاكَ الشَّيْئَيْنِ الْمَتْبُوعَيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ مُمْتَنِعٌ وَلَوِ اشْتَرَكَا لَمْ يَتَنَوَّعَا، وَأَمَّا أَوَّلُ كَلَامِكَ فِي اعْتِرَاضِكَ فَلَيْسَ إِذَا اجْتَمَعَ الشَّيْئَانِ مِنْ وَجْهٍ وَاخْتَلَفَا من جوه وَجَبَ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ لِأَجْلِ الِاجْتِمَاعِ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ عَلَى إِرْسَالِ هَذَا الْقَوْلِ وَإِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غُلِّبَ حُكْمُ الِاجْتِمَاعِ لِمَا اخْتَلَفَ حُكْمَانِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْء فِي الْعَالَمِ إِلَّا وَقَدْ يشتركان في الحدوث، ولو غُلِّبَ حُكْمُ الِاخْتِلَافِ لِمَا اجْتَمَعَ حُكْمَانِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ نَوْعٍ إِلَّا وَقَدْ يُخَالِفُ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا يُجْمَعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي غَيْرِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ وَإِنِ اجْتَمَعَا فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ فَلَمْ يَكُنْ لِاعْتِرَاضِ الْمُزَنِيِّ عَلَيْهِ وَجْهٌ، فَإِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ فِي الْعِدَّةِ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ الْبَائِنَةِ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ فِي الْعِدَّتَيْنِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، وَإِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ لَزِمَ فِي عِدَّةِ الْمَوْتِ، وَلَمْ يَلْزَمْ فِي عِدَّةٍ الطَّلَاقِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَأُمُّ الْوَلَدِ مَا تَجْتَنِبُ الْمُعْتَدَّةُ وَيَسْكُنَّ حَيْثُ شِئْنَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَالْكَلَامُ فِيهَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَوَطْءِ شُبْهَةٍ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا، وَالْأَمَةُ الْمُسْتَبْرَأَةُ فِي مِلْكٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِيهَا تَأَكَّدَتْ حُرْمَتُهُ مِنْ عُقُودِ الْمَنَاكِحِ الصَّحِيحَةِ رِعَايَةً لِحَقِّ الزَّوْجِ وَحِفْظًا لِحُرْمَتِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودٌ فِيمَنْ ذَكَرْنَا من غير الزوجات حكمهن فِي الْإِحْدَادِ.
وَالْفَصْلُ الثَّانِي: فِي السُّكَّنْى فَلَا سُكْنَى لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَلَا لِلْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبِ السُّكْنَى قَبْلَ الْعِدَّةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ فِي الْعِدَّةِ وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبِ السُّكْنَى قَبْلَ الْعِدَّةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ فِي الْعِدَّةِ وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ لَا سُكْنَى لَهَا؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا وَجَبَ بِالرِّقِّ فَسَقَطَ بِالْعِتْقِ وَإِذَا لم يكن لهن سكنى سكن حَيْثُ شِئْنَ فَإِنْ أَحَبَّ الْوَاطِئُ بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، تَحْصِينَ مَائِهِ فَبَذَلَ السُّكْنَى أُجْبِرَتِ
الْمُعْتَدَّةُ عَلَى السُّكْنَى حَيْثُ شَاءَ الْوَاطِئُ، وَكَذَلِكَ وَرَثَةُ السَّيِّدِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا بَذَلُوا سُكْنَاهَا لِتَحْصِينِهَا سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءُوا لِئَلَّا تُدْخِلَ عَلَيْهِمْ نَسَبًا لَيْسَ مِنْهُمْ.
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ فِي الْبَدَنِ وَتَرْكِ زِينَةِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى الْبَدَنِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ طِيبًا يَظْهَرُ عَلَيْهَا فَيَدْعُوَ إِلَى شهوتها "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute