للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْمَبِيعِ وَحْدَهُ دُونَ حَقِّ الشَّفِيعِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَ مِنْ بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَى الْبَائِعِ. وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَحْدَهُ عَلَى قَابِضِهِ لِأَنَّهُ قَلَعَهُ بِحَقٍّ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِقَبْضِهِ مُتَعَدٍّ، دُونَ الشفيع، فوجب أن يكون الضَّرَرِ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ رَاجِعًا عَلَى الْبَائِعِ الْمُتَعَدِّي دُونَ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ الضَّرَرُ مَنْ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ وَيَزَالُ عَنِ الْمُتَعَدِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ فَزَرَعَهَا الشَّفِيعُ ثُمَّ حَصَلَ الِاسْتِحَقَاقُ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ لِجَمِيعِ الْأَرْضِ مِنَ الْمَبِيعِ وَحَقِّ الشَّفِيعِ أُخِذَ الشَّفِيعُ بِقَلْعِ زَرْعِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنَقْضِهِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِمَا كَانَ بِيَدِهِ وَظَالِمٌ لِمَا أَخَذَهُ بِشُفْعَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلشِّقْصِ الْمَبِيعِ وَحْدَهُ وَجَبَ إِقْرَارُ زَرْعِهِ إِلَى وَقْتِ حَصَادِهِ لِأَنَّ بَقَاءَ الزَّرْعِ غَيْرُ مُتَأَبِّدٍ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ الْمُتَأَبِّدِ وَلَيْسَ مِنَ الشَّفِيعِ تعدٍ مَقْصُودٌ يُؤْخَذُ لِأَجْلِهِ بِقَلْعِ زَرْعِهِ لَكِنْ عَلَيْهِ لِمُسْتَحَقِّ الشِّقْصَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مِنْ وَقْتِ زَرْعِهِ إِلَى وَقْتِ حَصَادِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا غَرِمَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ مِنْ وَقْتِ الزَّرْعِ إِلَى وَقْتِ الْحَصَادِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ الشَّفِيعُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا نَقَصَ بِقَلْعِ الْبَنَّاءِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا رُجُوعَ لِلشَّفِيعِ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَنَّاءَ اسْتُهْلِكَ عَلَيْهِ بِالْقَلْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِغُرْمِهِ، وَفِي الزَّرْعِ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لِمَنَافِعِ الْمُدَّةِ فلم يرجع بأجرتها.

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ كَانَ الشِّقْصُ فِي النَّخْلِ فَزَادَتْ كَانَ لَهُ أَخْذُ زَائِدِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا النَّخْلُ فَلَا يَخْلُو حَالُ مَبِيعِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تُبَاعَ مُفْرَدَةً عَنِ الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا فَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَشْجَارِ كَالْأَبْنِيَةِ الَّتِي إِذَا أُفْرِدَتْ بِالْعَقْدِ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّهَا مِمَّا يُنْقَلُ عَنِ الْأَرْضِ وَالْمَنْقُولُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالزَّرْعِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تُبَاعَ النَّخْلُ مَعَ الْأَرْضِ فَتَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْأَرْضَ فِي الْبَيْعِ وَيَتْبَعُهَا النَّخْلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِفْرَادَ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ غَيْرُ مُسْتَدَامٍ، وَإِفْرَادَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ مُسْتَدَامٌ. وَأَوْجَبَ أبو حنيفة الشُّفْعَةَ فِي الزَّرْعِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ كَافٍ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ مَعَ قَرَارِهَا مِنَ الْأَرْضِ مُفْرَدَةً عَمَّا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ بياض

<<  <  ج: ص:  >  >>