فَيَسْتَوِي قَلِيلُ الزَّمَانِ وَكَثِيرُهُ كَالْجُنُونِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ مِنَ الْإِغْمَاءِ مُلْحَقًا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ.
فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ فَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاهُ اسْتِحْبَابًا.
وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ بِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُلْحِقُ فِي إِعَادَتِهِ مَشَقَّةً فَيَعْسُرُ بِالْجُنُونِ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ إِعَادَةَ الْقَلِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي إِعَادَتِهِ مَشَقَّةٌ وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمُ الصَّلَاةَ بِالصِّيَامِ فَفَاسِدٌ عَلَى قَوْلِنَا، وَقَوْلِهِمْ، لِأَنَّ الصَّوْمَ تَجِبُ إِعَادَتُهُ وَإِنْ كَثُرَ، وَالصَّلَاةَ عِنْدَهُمْ لَا تَجِبُ إِعَادَتُهَا إِذَا كَثُرَتْ، فَالْمَعْنَى الَّذِي فَرَّقُوا بِهِ فِي الْإِغْمَاءِ بَيْنَ كَثِيرِ الصَّلَاةِ وَكَثِيرِ الصِّيَامِ بِمِثْلِهِ فَرَّقْنَا بَيْنَ كُلِّ الصَّلَاةِ وَكُلِّ الصِّيَامِ، وَثَمَّ يُقَالُ: لَهُمُ الصَّوْمُ أُدْخِلَ فِي الْقَضَاءِ مِنَ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ نُوجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءَ الصِّيَامَ وَلَا نُوجِبُ قَضَاءَ الصَّلَاةِ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ، وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فطرآن هَذِهِ الْأَعْرَاضُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ.
مِثَالُهُ: أَنْ يَطْرَأَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، نُظِرَ فَإِنْ مَضَى مِنْ حَالِ السَّلَامَةِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ قَدْرَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لَزِمَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَحْدَهَا دُونَ الْعَصْرِ، لِاسْتِقْرَارِ فَرْضِهَا بِهَذَا الْقَدْرِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: لَا يَلْزَمُهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الْفَرْضِ بِآخِرِ الْوَقْتِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ مَعَهُ فَإِنْ مَضَى مِنْ وَقْتِ السَّلَامَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ قَدْرُ رَكْعَةٍ وَطَرَأَتْ هَذِهِ الْأَعْذَارُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ فَرْضُ الظُّهْرِ، لِأَنَّ فَرْضَهَا بِزَمَانِ الْإِمْكَانِ يَسْتَقِرُّ، وَقَالَ أَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ: قَدْ لَزِمَتْهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْفَرْضَ يَجِبُ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا بِأَوَّلِ الْوَقْتِ، قَالَ: وَفِي إِدْرَاكِ الْعَصْرِ مَعَهَا قَوْلَانِ، فَجَعَلَ أَبُو يَحْيَى إِدْرَاكَ رَكْعَةٍ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ كَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى مَا أُدْرِكَ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ مُمْكِنٌ فَلَزِمَ بِهِ الْفَرْضُ، وَالْبِنَاءَ عَلَى مَا أُدْرِكَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَمْ يَلْزَمْ بِهِ الْفَرْضُ - وَاللَّهُ أعلم -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute