للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ " قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النَّمَاءَ تَبَعًا لِلنَّفَقَةِ، فَعَلِمَ أَنَّهَا مِلْكٌ لِمَنْ تَوَلَّى النَّفَقَةَ، قَالَ: وَلِأَنَّ النَّمَاءَ فِي مُقَابَلَةِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ نَقْصٌ وَغُرْمٌ وَالنَّمَاءَ زِيَادَةٌ وَكَسْبٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَسْبُ النَّمَاءِ لِمَنْ جُعِلَ عَلَيْهِ نَقْصُ النَّفَقَةِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهَا حَدِيثُ ابن المسيب مرسلا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ.

فَجَعَلَ لِمَالِكِ الرَّهْنِ غُنْمَهُ مِنْ نَمَاءٍ وَزِيَادَةٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ غرمه من مؤونة وَنَقْصٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ، كَانَ لَهُ نَمَاءُ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْفُرُوعَ تَابِعَةٌ لِلْأُصُولِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّهْنُ عَلَى مِلْكِ الراهن، وجب أن يكون النماء على ملك الراهن كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ وَلِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَمَلُّكَ الْمَنَافِعِ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ كَتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ تعلق حق الجناية بالرقبة موجبا لتملك الْمَنَافِعِ، وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ مُوجِبًا لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ " فَيَعْنِي لِرَاهِنِهِ وَقَصَدَ بِهِ بَيَانَ الْحُكْمِ بِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِالْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لَمَّا نَقَلَ مِلْكَ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي نَقَلَ نَمَاءَ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْ عَقْدُ الرَّهْنِ الْمِلْكَ إِلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَنْقُلْ نَمَاءَ الرَّهْنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ مِنَ الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ بِهِ الرَّاهِنُ بِدَلِيلَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِلْكًا لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِمَنْ تَطَوَّعَ بِالنَّفَقَةِ. وَالنَّفَقَةُ واجبة على الرهن دُونَ الْمُرْتَهِنِ.

فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، النَّمَاءُ وَاجِبًا لِلرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّمَاءَ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ فَالْكَلَامُ فِي خُرُوجِهِ مِنَ الرَّهْنِ وَخِلَافِ مَالِكٍ وأبي حنيفة فِيهِ يَأْتِي مِنْ بعد.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَكَذَلِكَ سُكْنَى الدُّورِ وَزُرُوعُ الْأَرَضِينَ وَغَيْرُهَا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>