للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُلَاعِنَ مِنْهُ حَتَّى يَتَضَمَّنَ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ، لِأَنَّ اللِّعَانَ مَقَامُ خِزْيٍ فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِلَّا فِي مِثْلِهِ، وَلِأَنَّ فَحْوَى الْكِتَابِ وَنَصَّ السُّنَّةِ جَاءَتْ بِمِثْلِهِ، فَعَلَى هَذَا فِي كَيْفِيَّةِ قَذْفِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: بِصَرِيحِ الزِّنَا وَلَوْ كَانَ فِيهِ إِكْذَابٌ لِنَفْسِهِ، حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: بِمَعَارِيضِ الزِّنَا، كَقَوْلِهِ: فَجَرَتْ بِوَطْءِ غَيْرِي، أَوْ وُطِئَتْ وَطْأً حَرَامًا، لِئَلَّا يُصَرِّحَ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ، وَهَذَا أَشْبَهُ، فَإِنْ وَقَعَ الِاقْتِصَارُ مِنْهُ عَلَى مَعَارِيضِ الْقَذْفِ، بَنَى لَفْظَ لِعَانِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ وَطْءِ الْفُجُورِ أَوِ الْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مَا هُوَ مِنِّي، وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُلَاعِنَ بَعْدَهُ سَوَاءٌ أَضَافَ الْفُجُورَ إِلَيْهَا أَوْ إِلَى الْوَاطِئِ، لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُقْتَنَعْ مِنْهُ إِلَّا بِالْقَذْفِ الصَّرِيحِ، فَإِنْ قَذَفَهَا لَاعَنَ، وَلَاعَنَتْ بَعْدَهُ، وَإِنْ قَذَفَهُ دُونَهَا لَاعَنَ وَلَمْ تُلَاعِنْ بَعْدَهُ، وَإِنْ قَذَفَهَا دُونَهُ لَاعَنَ وَلَاعَنَتْ بَعْدَهُ، لِأَنَّ لِعَانَهُ مِنْ قَذْفِهَا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا. فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهَا إِلَّا بِلِعَانِهَا، وَلِعَانِهِ وَقَذْفُ الْوَاطِئِ وَحْدَهُ، غَيْرُ مُوجِبٍ لِحَدِّهَا فَلَمْ يَحْتَجْ إلى لعانها، والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " ولو قال لابن ملاعنة لست ابن فُلَانٍ أُحْلِفَ مَا أَرَادَ قَذْفَ أُمِّهِ وَلَا حَدَّ فَإِنْ أَرَادَ قَذْفَ أُمِّهِ حَدَدْنَاهُ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ بِهِ الَّذِي نَفَاهُ حُدَّ إِنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً إِنْ طَلَبَتِ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ إِنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِابْنِهِ لَسْتَ بِابْنِي إِنَّهُ لَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأُمِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَزّيَهُ إِلَى حَلَالٍ وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَشْبَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لِوَلَدِ الرَّجُلِ لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْوَلَدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ ابْنَ مُلَاعَنَةٍ قَدْ نَفَاهُ أَبُوهُ بِلِعَانِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ابْنَ مُلَاعَنَةٍ قَدِ اسْتَلْحَقَهُ أَبُوهُ بَعْدَ نَفْيِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ ابْنَ غَيْرِ مُلَاعِنَةٍ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ابْنَ مُلَاعَنَةٍ قَدْ نَفَاهُ أَبُوهُ بِلِعَانِهِ، فَيَقُولُ لَهُ أَجْنَبِيٌّ: لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ، فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَسْتَ بِابْنِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا لِأُمِّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ أُمَّهُ زَنَتْ بِهِ فَيَصِيرُ قَاذِفًا لِأُمِّهِ: فَصَارَ مِنْ مَعَارِضِ الْقَذْفِ وَكِنَايَاتِهِ فَوَجَبَ مَعَ الْمُطَالَبَةِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إِلَى بَيَانٍ فِي إِرَادَتِهِ، وَلَهُ فِي بَيَانِهِ ثَلَاثة أَحْوَالٍ:

أحدها: أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَذْفَ أُمِّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>