مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا فَتُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَلَا تُطَلَّقُ إِلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا وَاحِدَةً.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ تُطَلَّقْ.
وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَ هَذَا وَأَمَّا إِنْ نَوَيَا الْعَدَدَ وَلَمْ يَذْكُرَاهُ حُمِلَا فِيهِ عَلَى نِيَّتِهِمَا، فَإِنِ اتَّفَقَا فِي نِيَّةِ الْعَدَدِ فَنَوَيَا طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كَانَ عَلَى مَا نَوَيَا مِنَ الْعَدَدِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَأْثِيرَ لِلنِّيَّةِ فِي الْعَدَدِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ كَانَ الْعَدَدُ مَحْمُولًا عَلَى أَقَلِّ الثِّنْتَيْنِ كَمَا لَوْ أَظْهَرَاهُ قَوْلًا، فَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا وَنَوَتِ الزَّوْجَةُ وَاحِدَةً كَانَتْ وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا عَدَدًا وَلَا نَوَيَاهُ طُلِّقَتْ وَاحِدَةً.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَذْلُهُ كِنَايَةً وَقَبُولُهَا كِنَايَةً كَقَوْلِهِ: اخْتَارِي نَفْسَكِ فَتَقُولُ: قَدِ اخْتَرْتُ نَفْسِي، فَلَا يَقَعُ الطلاق حتى ينوياه جميعاً فإن نواه دُونَ الزَّوْجَة أَوِ الزَّوْجَةُ دُونَ الزَّوْجِ لَمْ يَقَعْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِيَاهُ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْكِنَايَةَ الظَّاهِرَةَ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا نَوَاهُ الزَّوْجُ وَحْدَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ تَنْوِهِ الزَّوْجَةُ، اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ سُئِلُوا عَمَّنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَقَالَ عُمَرُ: إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةً، وَلَهَا الرَّجْعَةُ، وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا طَلَاقَ، وَتَابَعَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا طُلِّقَتْ ثَلَاثًا وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فَأَوْقَعَ جَمِيعُهُمُ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا النِّيَّةَ، فَصَارُوا مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ مِنْ جِهَتِهَا، قَالَ: وَلِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا لَا يُوجِبُ اعْتِبَارَ نِيَّتِهَا فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِدُخُولِ الدَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ كَذَلِكَ فِي الِاخْتِيَارِ وَدَلِيلُنَا هُوَ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ لَهَا كِنَايَةً، يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى نِيَّة، لِاحْتِمَالِهِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اخْتَارِي نَفْسَكِ لِلنِّكَاحِ أَوِ الطَّلَاقِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارُهَا لِنَفْسِهَا كِنَايَةً، تَرْجِعُ فِيهِ إِلَى نِيَّتِهَا لِاحْتِمَالِهِ أَنْ يَكُونَ اخْتَرْتُ نَفْسِي لِنِكَاحِكَ أَوْ طَلَاقِكَ، أَلَا تَرَاهَا لَوْ قَالَتْ: قَدِ اخْتَرْتُ نَفْسِي لِنِكَاحِكَ لَمْ تُطَلَّقْ، كَذَلِكَ إِذَا أَطْلَقَتْ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا نِيَّةَ الزَّوْجِ، وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ، فَكَذَلِكَ إذا لم يعتبروا نية الزوجة، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute